علي خيرالله شريف / شبكة جبل عامل الإعلامية
صعد أردوغان الـمنبر وأطلق التهديدات لإسرائيل. فاشرأبَّت الأعناق وهلَّلَ البعضُ وكَبَّر، ظنَّاً منهم أن الخليفة العثماني قد برز إلى الميدان بعد خمسٍ وسبعين عاماً من النوم، وبعد حوالي عشرة أشهر من المجازر، وسَيُسَدِّد للكيان الضربة الحاسمة القاصمة القاضية. ولكن هؤلاء نسوا التمثيليات الأردوغانية من سيف القدس وما قبل سيف القدس. بل منذ زمنٍ طويل، مروراً بمرمرة وسحب السفير، ثم إعادته ثم تطوير المعاهدات مع “إسرائيل” إلى حد التحالف الاستراتيجي، وكأن فلسطين ليست موجودة أصلاً على وجه الأرض.
ظنوا أن أردوغان قد شَمَّر عن ساعديه وبرز إلى الميدان في جهلة الثمانين لينصُرَ غزَّةَ وفلسطين. ولكن يبدو أن الذين ظنُّوا ذلك لم يتابعوا أداء هذا الخليفة الاستعراضي أثناء العدوان على سوريا، وأنه ليس قوياً إلا على السوريين. لقد كان تاجراً بامتياز، يبتزُّ أوروبا والأمم المتحدة ويُحصِّل منهم الأموال، كالمنشار، على ظهر السوريين. حصَّلَ ست مليارات دولار من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. حصَّل مليارات الدولارات من مافيات تهريب النازحين من الأردن وتركيا إلى ألمانيا وأوروبا. وكان “له الفضل” في إغراق حوالي سبعة عشر ألف نازح سوري في بحر إيجه وغيرها من البحار والأنهار. والحديث يطول عن بطولاته البهلوانية. باختصار الحقيقة بالنسبة لأردوغان، لا فلسطين ولا أمة إسلامية ولا “من يحزنون”، بل تتلخص بما يأتي:
إن حلم أردوغان هو الانتساب إلى الاتحاد الأوروبي، وليس تحرير فلسطين ولا الدفاع عنها. وهذا الحلم لن يتحقق مهما قدم الطاعة لإسرائيل. وبعد الاتحاد الأوروبي يحلم بأن يعيد مجد السلطنة العثمانية وحرب سفر برلك والبطش بالعرب؛ وهذا أيضاً لن يتحقق لأن زمن السلطنة والسلاطين قد وَلَّى إلى غير رجعة. وفي هذا الإطار كان وما زال يحلم بضم أراضٍ من سوريا إلى تركيا والسيطرة على ثروات الشمال السوري.
لو كان أردوغان صادقاً بكلامه وتهديداته، لكان فعلها منذ زمنٍ بعيد، ولما كان انتظر إلى هذا الزمن الذي يبين للقاصي والداني أنه غير صادق لا بتهديده ولا بخطاباته. وبدل أن يهدد من على المنابر، ويثير السخرية، كان الأجدر به، بكل بساطة، أن يطرد السفير الصهيوني من أنقرة ويسحب سفيره من الكيان ويقطع علاقاته معه ويلغي الاتفاقيات الاستراتيجية المعقودة معه. وبشكلٍ أوضح، كان عليه على الأقل، أن يندم على الدعم الهائل الذي يقدمه لكيان العدو منذ بداية طوفان الأقصى، في حين لا يكترث بكل جرائم الإبادة التي يرتكبها هذا العدو بحق أطفال فلسطين. أردوغان يحب الـمزاح، ولكن مزاحه ثقيل ولن يجعله يلتحق بالفتح الموعود الذي بات قاب قوسين أو أدنى.