أساتذة اللبنانية في رسالة الى طلابها: الساعة حانت لننتزع حقوقكم المهدورة

وجه اساتذة الجامعة اللبنانية رسالة الى طلاب الجامعة، جاء فيها:

“أبناؤنا طلاب الجامعة اللبنانية الاعزاء،
أولياء الأمر، أهلنا وإخوتنا المحترمين،

لطالما كانت الجامعة اللبنانية المقصد الأول للطلاب اللبنانيين، بتنوع انتماءاتهم ومشاربهم، ومناطقهم، والمقصد الأول لكم، وإن اختلفت الأسباب والظروف.

“جامعة الوطن” هكذا تطيب لنا، ولمن سبقونا في إعلاء مداميك هذا الصرح الوطني تسميتها. فهي مؤسسة تعليم عال لكل للوطن، وبالوقت عينه تجمع كل مكونات هذا الوطن الذي لا زلنا نؤمن به، رغم كل شيء، سوية تحت كنفها، وفي أروقتها.

وذلك بالتأكيد ليس شعرا، أو مبالغة، بل هو توصيف للواقع الذي أنتم تعرفونه جيدا، أو على الأقل تشهدون عليه.

ولسنا هنا لنخبركم عن جامعتكم، أو عن جامعة ذويكم، فالجامعة اللبنانية رفدت من شرايينها النخب المتميزة بين ظهرانيكم، من أهل، أو أقارب، أو معارف، والحديث عنها ليس بجديد، ولا التوقف عند ما عانته الجامعة، منذ تأسيسها إلى اليوم، من استحقاقات، كانت تتربص بها عند كل مفرق للتطور والتنامي، لتكون فعلا، قادرة على فتح قلبها، ولن نقول أبوابها، للوافدين من أبناء هذا الوطن، فأنتم في الحقيقة، أبناء لها وأحفاد.

مرت السنوات، وصراع الجامعة اللبنانية مع الحكومات المتتالية، لم يتوقف، وكان نصيبها أن تقاتل في سبيل أي حق مشروع، حتى ولو كان من أبسط المسلمات، ومن الطبيعي أن تناله. نعم، لم يكن الحال سهلا مطلقا مع الجامعة اللبنانية، جامعتنا، صراع وكر وفر، وانتزاع الحق من فم الضاري، لا لأجل المظاهر والاستعلاء والبذخ، كما كان يذاع، ولا زال، بل لأنها أمينة على من فيها، وعلى من سيأتي بعدهم. فمسيرة العلم لا تتوقف، وما الصرح سوى السلك الذي يسري فيه هذا الحق الإنساني المكتسب، بدون فضل أو منة من أحد.

أعزائي الطلاب، الأهل الكرام،
نخاطبكم ونحن نعيش اليوم أزمة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الجامعة المصبوغ بالنضال. الأزمة هذه المرة هي أزمة وجود، بكل ما في الكلمة من معنى.
فالجامعة اللبنانية، والتي اخترتم أن تكونوا فيها، والتي اخترتم أن يكون أبناؤكم فيها، مهددة في استمراريتها، في وجودها، في أن تكون هذا النموذج المستحب للوطن الذي نحلم به. وطن التلاقي والإخاء وعدم التفرقة، وطن العدالة والمساواة، والفرص المتوازية، وطن الحفاظ على الكرامات لا الذل، وطن الإشراق الذي صدر الحرف في تاريخه الأول، ولم يبخل على العالم بتصديره للعقول النيرة والكفاءات، والخبرات، وإن باتت على حسابه اليوم، للأسف. وفي هذا الإطار، يشهد للجامعة اللبنانية، بأنها الصرح الأكاديمي الأكثر ريادة، والتي استطاعت أن تحافظ على الموقع المتميز، لا في لبنان فحسب، وسط جحافل الجامعات الخاصة، وإنما في العالم أجمع، ولكم أن تطالعوا الإحصاءات والنتائج والإصدارات التي توثق ذلك.

نقول هذا، ونحن عل يقين بأنكم تعرفون الحكاية، أو لربما جزءا منها، وما نداؤنا اليوم سوى ليكون الجميع على بينة مما يحصل، وليكون بعلم الجميع، أن التهديد الصارخ الذي يهدد جامعتنا اليوم، إنما هو موجه إليكم في المقام الأول، فضرب “العلم للجميع” مع “الإمكانية المتواضعة”، هو تغيير للديموغرافيا العلمية والمعرفية قبل كل شيء. ولكم أن تلحظوا ما يسوق العالم اليوم من أمثلة لجهة تعزيز الجهل عبر ضرب إمكانية التعلم التي هي حق من حقوق الإنسان منذ انبثاق شرعتها.

وعليه، ومع إعلان أساتذة الجامعة التوقف القسري عن الأعمال الأكاديمية، يهمنا توضيح ما يلي:

لا يخفى على أحد أن العواصف تضرب الجامعة الوطنية منذ فترة ليست بقليلة، سبقت حتى بداية الانهيار الاقتصادي، والأزمات المتلاحقة التي ينوء تحتها وطننا العزيز، وبالطبع كان لا بد للجامعة اللبنانية أن تكون في طليعة المؤسسات التي طالها ضرر هذه الأزمات، فتنامى الألم، وتضاعفت التعقيدات التي جعلت من حياة الجامعة عرضة للكثير من التجاذبات والتلاعب بحقوقها ومصيرها. وصولا إلى الأحداث الأخيرة، وانهيار العملة الجنوني، ما زاد الطين بلة، فتفاقمت حالة الجامعة سوءا، وهي التي كانت تضغط على الجرح وتتابع المسيرة، ممنية النفس: “إن شاء الله بتتحسن الأمور”.

ويا للأسف، فالأمور لم تتحسن، والمعاناة لم تنته، أساتذتها هضمت حقوقهم، ما بين أستاذ متعاقد بالساعة، لم يتقاض أتعابه منذ سنتين اثنتين، وبعضهم لأكثر، يعيش على ما يمكن أن تجود به الحياة عليه مما قد يسد حاجته للعيش بكرامة، وهو الذي تعب وسهر وجد، مثلكم تماما، حالما بمستقبل ناجح، واستقرار اجتماعي هو مطلب حق لكل إنسان، فإذا بطموحه وتعبه يتحطمان عند إهمال الدولة والمسؤولين لحفظ حقه في الحياة، ليس إلا. أو أستاذ متفرغ لم يعد راتبه يلبي حاجاته وحاجات عائلته، فهو، بالنهاية مواطن، مثلكم تماما، ولديه عائلة وأبناء، مسؤول عنهم، تماما مثلكم، ويخاف عليهم من الزمن الآتي. إلى موظف لم يتوان عن العمل في أسوأ الظروف وأشدها خطرا، وهو لا يزال بانتظار إنصافه في ملفه المتوقف منذ سنوات، وصولا إليكم أبناءنا الطلاب، أوتعلمون أن دولتنا قد حرمتكم من حقكم في الاهتمام بكم كطلاب في الجامعة اللبنانية، فقلصت عائداتكم إلى مبلغ متدن غير مسبوق؟

وكنا، مع كل هذا، ننتظر إنصافا في الموازنة، بالحد الأدنى الذي يسمح لنا بالاستمرارية، وإن بخطى عرجاء، فجاء الجواب بموزانة لاموازنة، لا تكفي لأشهر، وأنتم تعلمون، من خلال كلياتكم، معاناة فقدان المواد الأولية الأساسية، وبشكل مخيف.

ومن الأمور التي عصفت بالجامعة، وبقسوة، تشويه صورة الأساتذة من قبل المغرضين، لضرب اعتراضهم على النكسات التي تصيب الجامعة، وهو أمر قد يكون ممنهجا، فنسمع بأن الأساتذة “هواة إضراب”، أو “ماديين، لا يشبعهم شيء”، أو “متكاسلين”، أو “غير عابئين بالطلاب ومصلحتهم”، وغير ذلك مما تصلنا أصداؤه، وبقوة، وبألم. يهمنا في هذا الإطار، أن نؤكد على أنه في كل مرة كان يعلق فيها التدريس في الجامعة، كان الأساتذة يعانون مرارة تكاد توازي مرارة الظلم والإجحاف الحاصل بحق الجامعة وأهلها. فالأساتذة لا يرضيهم بتاتا إلحاق الضرر بالطلاب ومستقبلهم، والمعادلة في هذا الشأن بسيطة، بغياب الطالب لا وجود للمعلم. بل على العكس، فقد كان هذا الأمر يقلق الأساتذة، ويولد الحرقة في قلوبهم، وأنتم جميعا تشهدون على أنهم كانوا يقومون بالتعويض عما فات من وقت، وإن بتسخير أوقات الإجازة المتاحة لهم، في سبيل ذلك.

حتى في ظل الجائحة، فقد كان أساتذة الجامعة اللبنانية أول من هرعوا لتأمين البديل عن التعليم الحضوري، فكانت المنصات وورش العمل لتفعيل التعلم عن بعد، وحمدا لله، فلقد استطعنا تأمين استمرارية العمل وتفادي خسارة عامين جامعيين اثنين من خلال الوسائط البديلة، وفي هذا، لم يسأل أحد عن حال الأستاذ وكيفية تأمينه لما يلزمه لإعطاء الدروس، علما أن الغالبية من الأساتذة أدوا واجبهم، ولا يزالون، وباللحم الحي، لتأمين المعرفة والعلم لطلابهم. فلا يزايدن أحد أمامنا على مصلحة الطالب وماهيته لدينا.

من هنا، وبناء على ما سبق، يهمنا التأكيد على أن معركة الحفاظ على الجامعة الوطنية هي معركة تستحق منا جميعا أن نخوضها، وبشراسة.

لذا، يا طلابنا الأعزاء، انقذوا جامعتكم، لأنكم المعني الأول والأخير بوجودها، ولأنكم الحلقة الأقوى في كل المعادلة.

هذه هي ورقتكم الرابحة، هذا هو مستقبلكم، ومستقبل من يليكم، لسنا من أصحاب الثروات، ومع الحال اليوم نشك أن نكون يوما، ولكننا من أصحاب الوعي والتفكير الصائب. أنتم أصحاب الأدمغة المشرقة التي تستحق أن تتعلم وأن تنجح، وأن تكون حياتها الجامعية بمأمن عن أي خطر. في زمن الجوع قد يرضى المرء بالقليل ليسد رمقه، أما في زمن الجهل، فيحتاج إلى المعرفة كاملة لكي يقضي عليه.

فقولوا كلمتكم، أنتم وأهلكم الصابرين تحت سياط القلق والكد في هذا البلد الموجوع. اجعلوا الجامعة حديث الساعة، بين ربعكم وصحبكم، في جلستكم، وفي مشاركاتكم الرقمية، وفي نشاطكم على مواقع التواصل الاجتماعي. اعلموا القاصي والداني بأن جامعتكم هي بخطر وجودي، وأنكم بحاجة إليها كما هي بحاجة إليكم. أعلوا الصوت وأخبروا الجميع، وبالفم الملآن، بأن الوطن لن ينهض من كبوته ما دامت جامعة الوطن تعامل كما سلف. أخبروا الجميع عن صروح الجامعة، عن مجمعاتها المهملة، دون صيانة ولا إضاءة ولا تدفئة، دون قرطاسية أو أوراق. أخبروهم عن عدم وجود عمال نظافة، أو عناصر أمن. أخبروهم بما يعانيه الأساتذة والموظفون من إجحاف وتقصير في تأمين حقوقهم. قولوا “كفى” نريد جامعة محصنة قوية، نريد جامعة وطنية رائدة.

قولوا وأعلوا الصوت، فلا أحد سيرحمكم إن لم تجعلوا من جامعتكم قضية القضايا، وعلى أعلى درجة من سلم الأولويات في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والرئاسية.

قولوا لهم، لن تجعلوا من جامعتنا تاريخا مضى، بل ستبقى هي من يكتب ويسطر التاريخ، بمجده وضيائه.

أعزائي الطلاب والأهل الكرام،
نحن والجامعة أقوياء بقوتكم، فانهضوا لتنهض جامعتنا الوطنية، لنساعد وطننا الغالي على القيامة والازدهار، فالساعة قد حانت لكي ننتزع حقوقكم المهدورة ونرسخها. وتذكروا بأن الحروب لا تربح إلا في الميدان، وأن الندوب هي علامة النصر، فليكن توقفنا القسري هذا، ندبا أخيرا في سبيل انتصار معركة الجامعة”.