“إسرائيل”… معالمُ النهاية

كتب حسن محمد بزي

تدخل منطقة شرق المتوسط مرحلة جديدة كليا” بعد مائة عام من تشكيل خرائطها السياسية الحالية بأيدٍ فرنسية وبريطانية إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية.

هذه المرحلة التي دامت مائة عام تخللها قيام كيان اليهود الصهاينة في فلسطين وتشتت الشعب الفلسطيني , سقوط الملكيات في مصر والعراق وسوريا وليبيا , ظهور مشيخات النفط في الخليج , إنسلاخ تركيا من تاريخها الإسلامي بالرغم من أنها كانت آخر موطن للخلافة الإسلامية ببعدها السياسي.

كما تخللت هذه المئوية اندلاع عدة حروب بين العرب وإسرائبل كشفت عن تفوق واضح للآلة العسكرية الإسرائيلية وافتقاد العرب لوسائل الحرب الحديثة من معرفة وإمكانات .

إلا أن الحدث الكبير النقيض لنشوء دولة إسرائيل كان سقوط نظام الشاه في إيران وولادة الدولة الإسلامية في تجربة حكم جديدة لم يشهد العالم لها مثيل من قبل , الدولة الحلم لأبناء المذهب الشيعي الإثني عشري والتي يحكمها مرجع الدين للمرة الأولى في التاريخ , وما حملته هذه الدولة من قيم ومبادىء مساندة للمقاومة وتعدُ العدة لشعار حملته منذ نشأتها ” إزالة إسرائيل من الوجود “.

هذا الشعار حملته الكثير من الأنظمة والأحزاب القومية والإشتراكية في الدول العربية منتصف القرن العشرين بعد وصولها للحكم بانقلابات عسكرية أسمتها ثورات على الأنظمة الملكية.

إلا أن هذا الشعار بقي طيَ الخطابات والمنابر ولم يدخل حيز الإعداد والتجهيز فلم ينتقل إلى قابلية التطبيق , خصوصا” أن إسرائيل بأمها وأبيها كانت عبارة عن ثكنة عسكرية كبيرة دخلت نادي الدول النووية منذ نهاية الخمسينات بمساعدة الغرب.

كان شاه إيران محمد رضا بهلوي ضابط الإيقاع في منطقة الخليج وحليف إسرائيل الأول وأول المعترفين بوجودها من العالم الإسلامي. كان لسقوط نظام الشاه عام 79 الصدى المدوي في المنطقة والعالم ونقطة التحول الإستراتيجية في الصراع مع إسرائيل , إذ شكَل سقوط نظام داعم لإسرائيل وقيام نظام مناهض لها مكانه جبرا” للكسر وسدا” للفراغ الذي تركه خرج مصر من حلبة الصراع بعد اتفاقية كامب ديفيد عام 78.

وعلى الرغم من إنهاك الدولة الجديدة في إيران عبر زجها في حرب طاحنة مع العراق , إلا أنها لم تغفل عن قضيتها الأساسية ” فلسطين وإزالة إسرائيل من الوجود”. فعند اجتياح لبنان عام 82 أرسل الإمام الخميني قوة عسكرية الى شرق لبنان بقيادة اللواء محسن رفيق دوست أحد أشهر القادة الإيرانيين والأب الفعلي لبرنامج إيران الصاروخي.

وكانت المهمة الرئيسية لهذه القوة هي تجهيز وتدريب طلائع المقاومة الإسلامية التي شكلت النواة الأولى للتهديد الوجودي الأكبر لإسرائيل فيما بعد “حزب الله”.

غداة انتهاء الحرب العراقية الإيرانية وتفرغ إيران لتقوية نظامها الإقتصادي والدفاعي , عملت كذلك على تقوية حلفائها في المنطقة عسكريا” وتقليص فجوة التفوق الجوي الإسرائيلي من خارج سلاح الطيران وإنما من خلال الصواريخ أرض-أرض بمختلف مدياتها وأنواعها لردع العدوان وخلق التوازن العسكري المطلوب. وهذا ما عملت عليه سوريا أيضا” بعد تسلم الرئيس بشار الأسد الحكم في سوريا عام 2000.

وتمكنت مراكز البحوث العلمية السورية من إنتاج منظومات صاروخية محلية الصنع بالهندسة العكسية لصواريخ صينية وروسية تتمتع بكفاءة عالية وتميزت بدقة إصابتها للأهداف وصعوبة اعتراضها , وهذا ما اعترفت به إسرائيل بعد أن أمطر حزب الله مدن شمال ووسط فلسطين المحتلة عام 2006 بصواريخ الصناعة العسكرية السورية.

وتعد حرب تموز 2006 نقطة التحول الكبرى في مسار الصراع العسكري مع كيان الإحتلال إذ أنها شكّلت ميدان الإختبار الحقيقي لنظرية الردع والتوازن الصاروخي, وتلتها حروب غزة المتعددة خاصة معركة سيف القدس الأخيرة عام 2021, إذ استخدمت تكتيكات جديدة في الرمايات الصاروخية لمواجهة استعمال إسرائيل لمنظومة القبة الحديدية الإعتراضية على نطاق واسع. لكنها أثبتت محدودية تأثيرها خلال الإغراق الصاروخي الكثيف الذي استخدمته المقاومة الفلسطينية.

كل هذا يضع إسرائيل أمام السؤال الصعب والحقيقة المؤلمة :

• ماذا لو نشبت حرب إقليمية تواجه فيها إسرائيل جميع أطراف محور المقاومة بأبعاده الواسعة من المضائق البحرية شرقا” والبحر المتوسط غربا” وما بينها من قوى وجبهات برية متعددة ؟

• كيف ستتلقى إسرائيل بعمقها الضيق مئات آلاف الصواريخ المتعددة الأنواع والأحجام والرؤوس الحربية ؟

• كيف ستصمد إسرائيل أمام مئات آلاف المقاتلين المجهزين لهذه المعركة المنتظرة والذين يتمتعون بخبرات قتالية واسعة إكتسبوها من أصعب أنواع الحروب التي خاضوها ؟

يقول خبراء أن إيران نجحت في تكوين جدار صاروخي عظيم يحيط بإسرائيل من مختلف جهاتها في غزة ولبنان والجولان السوري , وهنا يتضح حجم الفشل الإسرائيلي في ما أسماه ” الحرب بين الحروب ” وهي الغارات المتكررة على جنوب سوريا والنقاط الحدودية بين لبنان وسوريا لوقف هذا المشروع منذ عشرة أعوام.

تدرك إسرائيل نفسها أكثر من حلفائها الجدد في المنطقة حجم المأزق العسكري وخطورة وضعها الوجودي الأصعب منذ نشأتها لكن اللافت والمثير في الأمر أن ما تشكل من إمكانات وقدرات وجهوزية عند محور المقاومة كان في أثناء خوضه أصعب معاركه الوجودية في سوريا والعراق فماذا لو لم تحدث كل تلك الحروب!.