اجتمع أهلُ الباطِلِ على باطِلِهِم وتَفَرَّقنا عن حَقِّنا

كتب الاستاذ علي خيرالله شريف:

 

يتسابق زعماء الغرب على الطيران إلى تل أبيب لتقديم الدعم والولاء والطاعة، ويتسابق الزعماء العرب على غَمسِ رؤوسِهِم في الرمال أمام هولِ العدوان على غزة. حتى أنَّ رفضَ هؤلاء العرب لتهجير الفلسطينيين إلى بلدانِهِم، ليس كرماً لسود عيون الفلسطينيين، ولا حرصاً على بقائهم في أرضِهِم، ولا على حفظِ فلسطين، بل خوفاً من الفلسطينيين على عرشه. فالرئيس المصري مثلاً أعلنها اليوم أنه لا يريد أن تكون سيناء مُنطَلَقاً للإرهابِ ضد ما أسماه إسرائيل. وأكثر من ذلك، بَيَّن الرئيس المصري عبد الفتَّاح السيسي في كلامه اليوم مُحتَفِياً بالمستشار الألماني العاهر، أنه من الأعراب المتآمرين على غزة باقتراحه على كيان إسرائيل تهجير الفلسطينيين إلى صحراء النقب ثم القضاء على الم_قا_ومة ثم “تُرجعهم إذا شاءات”. وعبارة “إذا شاءت” تفضح الخنوع المصري الكامل أمام كيان العدو؛ وهذا بِرَسمِ أحرار مصر جمال عبد الناصر الذين ما زال عندهم بقية من كرامة لبلدهم ولعروبتهم ولدينهم.

لا نستغرب تَجَمُّعَ أَهلِ الباطِلِ عَلَى باطِلِهِم، بل نستغرب تَفَرُّقَ أهلِ الحقِّ عَن حَقِّهِم، لِدَرَجَةِ أَنَّهُم، لَولا ارتكابِ العدو لِمَجزَرَةِ مُستَشفَى الـمَعمَداني في غزة، لَحَضَروا القِمَّةِ بِكُلِّ سرور، فقد كانوا يُحَضِّرونَ أنفُسَهُم لِلِقاءِ الرئيس الأميركي الخَرِف، في عَمَّان – الأردن، ورُبَّما كانوا سيلبسون له كُلَّ نَياشينِهِم العسكرية ثقيلة الوزن خفيفة القيمة التي تَعَوَّدوا أن يلتقِطوا بها الصُوَر لِتَوزيعِها على صالونات شعوبهم ومقاهيهم.

والأردن هي رائدة في تسهيل أي عدوانٍ على الدول العربية، هكذا هو عهدنا بها منذ زمنٍ طويل عندما كان الراحل الملك حسين يطير إلى تل أبيب كُلَّما عَرِفَ بِخِطَّةٍ يجري التحضير لها في دمشق أو القاهرة لرد عدوان أو لتحرير أرض. فلا يوجد عدوان على دولة عربية إلا والأردن عرَّابتُه أو بالأحرى الخادمة التي تقدِّمُ للمعتدي الضيافة والمنامة والمكان الذي يستودع فيه مؤونَتَهُ وأسلِحَتَهُ ومراكِزَ قِيادَتِهِ العسكرية والاستخبارية واللوجستية، من سوريا إلى العراق إلى فلسطين إلى لبنان إلى غيره. حتى في الحرب الأهلية اللبنانية، كانت الأردن توفر التدريب اللازم للأحزاب اليمينية المتعاملة مع كيان إسرائيل ضد القوى الوطنية.

أما مصر، فمنذ انصياع أنور السادات لاتفاقيات كامب ديفيد، تم حبس هذا العملاق العربي في القمقم، وتم تقييد يديه وعقله وفكره، وتم التقتير عليه حتى في لقمة عيشه، وربطه بمزاج الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الغاصب. ثم كَرَّت السُبحَة، إلى المغرب وموريتانيا والسودان والإمارات وقطر والبحرين، والكويت(وإن لم تعلن تَوَرُّطَها بعد)، والسعودية على الطريق، ودُوَلُ أخرى ما زالت تتحيَّنُ الفُرَص لإعلان استسلامِها. ولا تستغربوا أنهم بعد إتمام كتلتهم الخيانية التي يستجمعونها، سيُصدِرون قوانينهم الخاصة، تحت مُسَمَّى جامعة الدُوَلِ العربية وتحت مُسَمَّى المنظمات الدولية، التي تُعاقِب كلَّ من لم يُصالِح كيان إسرائيل بعد، وتفرض العقوبات على كُلِّ من لم يُطَبِّع معه ولم يفتح ذِراعَيهِ له.

اليوم وصل جو بايدن إلى فلسطين المحتلة، مُتَحَمِّساً، بكل وقاحة لاستكمال المجازِرِ في غزة وفلسطين، وَلِزِيادَةِ الدعم للكيان السرطاني أضعافاً مضاعفة، وللتعمية على المجازر التي ارتكبها هذا العدو الجبان، وقلب الحقائق. وأميركا خبيرة في الكذب والتشويه والبروباغندا. فلا يستغرِبَنَّ أحدٌ إن طلع علينا الغرب بعد ساعات لِيَتَّهِمَ حماس بمجزرة مشفى الـمعمداني. وسيكون المطلوب من الدول الزاحفة أن تُجبِرَ إعلامَها بالترويج لهذه الأكذوبة التي سيخترعونها.

لقد اجتمع أهل العدوان والباطل والإجرام على أفاعيلِهِم، وتعاطفوا مع بعضِهِم بكل وقاحةٍ وغطرسةٍ وفجور. وبنفس الوقت تَفَرَّقَ العربُ عن حقِّهِم حتى رأينا من يلتفُّ منهم حول أهل الباطل والعدوان، ومنهم من ينام نومةً لا يقظةَ فيها، ومنهم القلَّةُ الذين ما زالوا على العهد، قابضين على حقهم كالقابض على الجمر. وهؤلاء، لن يكون الخلاصُ إلا على أيديهم، لأنهم يملكون الإرادة والبصيرة والإيمان الذي يجعُلُهُم يَفِلُّون الحديد ويقهرون الصعاب، ويَرُدُّون الغرب الفاجرَ على أعقابِهِ خاسئاً مَدحُورا.