كتب حسن بزي
لأنّ التاريخ لا ينفصل عن الحاضر ويساهم في صياغة المستقبل خصوصاً في منطقة الصراع التاريخي بمختلف أوجه الصراعات، دينية، سياسية، أو إقتصادية … لا بد من استحضار هذا التاريخ لفهم أحداث الحاضر واستشراف آفاق المستقبل.
لطالما كانت منطقة الشرق الأوسط كما تعرف اليوم أو بلاد الشام تاريخياً ساحة صراعات جبابرة الأمم وذلك لعدة أسباب موضوعية منها :
وفرة الماء الذي شكّل عامل الإستقرار الرئيسي للشعوب والقبائل.
وفرة الموارد من أجود أنواع الخشب وأراض زراعية خصبة تمتد في سهول واسعة محمية بسلاسل جبلية عالية.
الساحل، وإطلالته على البحر المتوسط أو بحر الروم مما يشكل نافذة إقتصادية هامة للتجارة مع الغرب وقرطاج.
الموقع الجغرافي الذي يشكل الممر الرئيسي لخطوط التجارة بين الشرق والغرب الأراضي المقدسة وما تشكله من مورد إقتصادي وعامل جذب روحي لأهل الديانات.
وكان لاحتلال هذه المنطقة من قبل الأتراك لما يزيد عن أربعة قرون عامل تخلف وإحباط ساهم في تأخر سكان هذه البلاد عن ركب التطور والحداثة ووقف نموهم العلمي والثقافي وهم الذين كانوا مشاعل علمية وثقافية للعالم أجمع.
فجلّ ما فعله العثمانيون هو استغلال مقدّرات هذه البلاد من المحاصيل الزراعية وكتلتها البشرية لإزهاقها في حروبهم العبثية والخاسرة في القوقاز.
كذلك وقع العثمانيون في الكثير من الأخطاء الساذجة، فعلى الرغم من اشتراكهم الديني والمذهبي مع سكان المنطقة إلا أنهم فشلوا في استمالة قلوبهم وذلك لاتباعهم سياسة القمع الفكري والقهر الاقتصادي خصوصاً في مرحلة سقوطهم مع بداية القرن العشرين وتحكم الطورانيين في مقاليد السلطة.
قاتل العرب العثمانيين عند انشغالهم في الحرب العالمية الأولى يراودهم حلم الإستقلال في إطار الثورة العربية الكبرى أو بالأصح الخدعة الإنكليزية الكبرى لتقسيم البلاد ونهب ثرواتها وإنشاء وطن قومي لليهود يحرس الثروة العالمية قي الشرق ويمنع قيام قوة سياسية إقتصادية عربية مستقلة تهدد نفوذ القوة الغربية في العالم.
مع بداية الإكتشافات النفطية في المنطقة العربية أطلق الإنكليز وعدهم التاريخي لليهود مع انهيار الدولة العثمانية ودعموا في الوقت عينه الحلف السعودي الوهابي الذي أعدوه مسبقاً للسيطرة على منابع النفط في الجزيرة العربية لتشكيل دولة حامية للموارد ومتحكمة في مقدسات المسلمين ، فضلاً عن تبنيها ونشرها للعقيدة الوهابية المتشددة التي غيرت من معالم الإسلام .
وبقيام الكيانين السعودي أولاً والصهيوني ثانياً تشكلت في قلب الشرق الأوسط الموانع السياسية والجغرافية لقيلم أي شكل من أشكال الوحدة العربية أو قوة عربية مستقلة ، فكما حارب الإسرائيليون عسكرياً كل حركة أو دولة تحررية عربية كذلك حاربها السعوديون سياسياً وثقافياً واقتصادياً وبكل ما أوتوا من أدوات ترهيب وقوة تكفير ! كما حصل في الثورة اليمنية والتجربة الناصرية مما يدفع المخدوعين من الناس للتساؤل أي مفارقة تلك التي تجعل من كل عدو لإسرائيل عدواً للسعودية أيضا” ؟
وجاءت اتفاقيات أبراهام للسلام مع دول عربية غير معنية بالصراع بشكل مباشر لتشكل طوق نجاة إقتصادي لإسرائيل في ظل تفاقم أزماتها الإقتصادية والسياسية ، إذ سيشكل عرب التطبيع آخر حلفاء إسرائيل وآخر خطوط الدفاع عن الصهاينة كما شكلوا على مر التاريخ السياسي الحديث حراساً لقوى الإستعمار وأدواتاً للبطش بقوى التحرر، فقبائل نجد لا تجيد سوى السلب والنهب والبغاء.
تتضح يوماً بعد يوم خارطة الإصطفافات للفصل الأخير من مشهدية النزال الكبير فطوبى لمن كان في صفوف المجاهدين والعار لمن اختار صفوف الخائنين .. أما العار الأكبر هو للمحايدين ، إذ أن أسوأ مكان في الجحيم محجوز للواقفين على الحياد في المعارك الأخلاقية الكبرى!.