| فراس فرحات | باحث وكاتب سياسي
يشهد المشهد الدولي اليوم تحولًا عميقًا من هيمنة أحادية القطب إلى تعددية قطبية، حيث تتنافس أو تتعاون قوى عالمية كبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا.
بحيث تنعكس هذه التحولات بحدة على الشرق الأوسط، ما يخلق بيئة إقليمية تتسم بـالحذر الشديد وارتفاع مخاطر الصراعات وتغير في تحالفات الدول..
أبرز ملامح هذه التحولات في الآتي:
إقفال أبواب الحرب في منطقة الشرق الاوسط مؤقتا وبشكل شبه نسبي بإدارة ترمبية.. اذ قلّصت الولايات المتحدة من مُوجهة اهتمامها الاستراتيجي نحو آسيا لمواجهة النفوذ الصيني.
صعود قوى عالمية جديدة:
فالصين بدأت تعزز دورها كقوة اقتصادية وسياسية كبرى في المنطقة، عن طريق الوساطة الدبلوماسية (مثل المصالحة الإيرانية-السعودية) لترسيخ نفوذها كقوة عالمية.
اما روسيا فهي تسعى للحفاظ على مصالحها ونفوذها، لا سيما في سوريا، وتُظهر استعدادًا للعب دور في مسرح التحدي للهيمنة الغربية.
وبرغم مؤشرات الانفراج، تحت عنوان “السلام” الترمبي وصفر حروب يظل الوضع الإقليمي حذرًا وهشًا لأسباب عديدة:
اولا: استمرار الصراعات الجيوسياسية؛ فالصراعات التي تتخذ أبعادًا إقليمية ودولية، مثل تداعيات الأزمة الفلسطينية والتنافس بين إيران وإسرائيل، تهدد بتوسيع رقعة المواجهة وتحويل الصراعات غير المباشرة إلى مواجهات عسكرية شبه مباشرة.. وهذا ما يعكس واقع الحال تصعيد اللهجة الاسرائيلية بوجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية تليها ردود تحذيرية إيرانية من اي حماقة “نتياتوهية” من شأنها إعادة سيناريو الحرب إلى الواجهة من جديد.
ثانيا: تحويل الموارد الطبيعية والسلع الأساسية (مثل النفط والمعادن الحرجة..وحتى التكنولوجيا كالذكاء الاصطناعي او العملات الرقمية) إلى أدوات نفوذ وسلاح جيوسياسي بين القوى الكبرى، ما يزيد من الضغوط الاقتصادية والسياسية على دول المنطقة.. وآخرها موضوع الذهب الصيني الصناعي.
ثالثا: تحدي الأمن الإقليمي حيث تساهم حالة عدم الاستقرار في إعادة تعبئة الجهات المسلحة غير الحكومية وتصاعد التوترات الأمنية على الحدود وفي الممرات البحرية الحيوية (مثل البحر الأحمر)، ما يهدد استقرار الإقليم واقتصاداته.
اما عن لبنان..
يُعتبر لبنان نموذجًا صارخًا لكيفية انعكاس التنافس الجيوسياسي الإقليمي والدولي على الاستقرار الاقتصادي والسياسي الداخلي.
إذ يشكل حزب الله، قوة عسكرية وسياسية رئيسية وفاعلًا إقليميًا ضمن “محور المقاومة”، مركز الثقل في هذه المعادلة المعقدة.
1. تأثير التعددية القطبية على الأمن الاقتصادي اللبناني
فقد عانى لبنان من أزمة اقتصادية ومالية تُعد من الأسوأ عالميًا، فاقمتها التحولات الجيوسياسية العالمية والإقليمية.
2. لا يمكن فصل دور حزب الله عن البيئة الجيوسياسية الإقليمية، حيث يمثل حلقة وصل استراتيجية من شأنه تغيير المخطط الصهيواميركي في المنطقة ومنع تحقيق الحلم الاسرائيلي الممتد على طول الحدود تحت مسميات عدة تتمحور حول شرق أوسط جديد داخل دولة إسرائيل الكبرى.
لذا يُعد سلاح المقاومة الإسلامية في لبنان ورقة جيوسياسية على طاولة المفاوضات الداخلية والتدخلات الخارجية ، ما منح لبنان عبر حكومة نواف سلام دورًا “وظيفيًا” “أمريكي_ سعودي” محصور بكيفية حصر او نزع السلاح تحت التهديد والتهويل.. بحيث يُنظر إلى وجود حزب الله وسلاحه في لبنان كـعقبة رئيسية أمام الدول الغربية والخليجية التي تسعى وراء المشروع الإبراهيمي وكيفية تطبيقه عبر مسلسل السلام المشبوه بسياسة القوة كما أعلنها ترامب مُعادلة واضحة تتمحور حول.. إما السلام بالقوة او التطبيع بنزع القوة..
حزب الله وحركة أمل لن يكونا ضمن هذه المعادلة.. من هنا نرى ان الحركة الدبلوماسية بدأت تنشط مجددا نحو لبنان وتحديدا مقر عين التينة مع تصعيد إسرائيلي خطِر سبق هذه الوفود.
لبنان، بموقعه الجغرافي كممر لعبور المشروع يقف على مفترق طرق خطير.. فالتحولات الجيوسياسية مهما بلغت لا ولن تجلب الاستقرار الدائم في ظل خروقات إسرائيل لاتفاق الهدنة واحتلال 5 نقاط لبنانية ، بل قد تعيد صياغة قواعد اللعبة، وتجعل من لبنان ساحة لتجديد الحرب وان بوسائل اخرى.. في حالتين:
1. الضغط على الحكومة اللبنانية بكل الوسائل لنزح سلاح المقاومة مهما كانت التداعيات.
2. تصعيد إسرائيلي كبير يصل إلى حد التوسع بالأهداف (مؤسسات _ مدارس _ مستشفيات _ إعلام).
ما يبقي المنطقة في حالة حذر جيوسياسي مُرتقب.