حشود مليونية لاستقبال الإمام الصدر في بيروت

بقلم الشيخ حسن حمادة العاملي:

 

في منظر مهيب ولافت لظاهرة فريدة وحّدت اللبنانيين بكافة طوائفهم ومذاهبهم وانتماءاتهم السياسية والدينية… حشود جماهيرية على جانبي الطريق الممتدة من مطار بيروت الدولي وصولاً إلى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في الحازمية بانتظار وصول إمامهم الحبيب والغالي، شاركهم في ذلك، أشقاؤهم العرب من سوريين وفلسطينيين وغيرهم… عراضات شعبية وهتافات ترحيبيّة ولافتات وصور رفعها الملايين تعبيراً عن حبهم وولائهم للقائد العائد بعد غياب طويل ومرير…

وفي المقلب الآخر داخل المطار استعدادات وتجهيزات وترتيبات لوجستية وشخصيات دبلوماسية وسياسية وصلت لاستقبال سماحته، على ان ينطلق الموكب مباشرة نحو الحازمية (مقر إقامة السيد) حيث تعج القاعات هناك بالوفود المهنئه رؤساء وزراء نواب سياسيين امنيين ممثلي الطوائف والمذاهب وغيرهم من اعلاميين وصحفيين إضافة الى الفيضان الشعبي الهائل الذي اجتاح الطرقات…

وصل الموكب العزيز وكان قد اختار الامام الصحفي أحمد -والذي رافقه في رحلة العودة- ليعرفه بالشخصيات والوفود القادمه وليقدم له سرداً تاريخياً مبسطاً لما جرى خلال ال 46 سنة المنصرمة.

بالفعل بدأ أحمد بتعرييف الإمام على الشخصيات، هذا الرئيس فلان وذاك ممثل الرئيس فلان وهذا ممثل الحزب الفلاني والفلاني والفلاني والحركة الفلانية والفلانية والتيار الفلاني والجماعة الفلانية… إلى ان عرّفه على الجميع.

وما أن انصرف الضيوف حتى أشار الإمام لأحمد بأن يبقى بعض الوقت ليتسنى له معرفه بعض التفاصيل المهمة والضرورية التي لابد له من معرفتها ليبني على الشيء مقتضاه.

الإمام: أستاذ أحمد هل تبقى بعض الوقت لتخبرنا عن بعض الامور والتفاصيل المهمة والضرورية؟ عندي بعض الأسئلة التي تحتاج إلى الإجابة عنها.

أحمد: بكل سرور سيدي.

سأل الإمام وقد بدت عليه علامات التعجب: أين رئيس الجمهورية لم أره بين الحضور؟

أحمد: لا يوجد عندنا رئيس.

الإمام: هل يعقل أن تكون الدولة بلا رئيس؟؟؟ كيف تسير الأمور إذاً؟؟؟

أحمد: نحن في شغور رئاسي منذ 2022

الإمام: كيف يسمح بذلك؟ ومن يسيّر شؤون الدولة والمواطنين؟

أحمد: لدينا حكومه تصريف أعمال.

هز الإمام برأسه قائلاً: حكومة تصريف أعمال!!! وهل بمقدورها تلبية حاجة الناس ومتابعة شؤونهم وأوضاعهم؟؟

أحمد: اننا نعاني بعض الشيء خاصه في ظل الحرب المفروضة علينا..

الامام: حرب!! أي حرب؟؟ ومع من؟؟؟ من فرض الحرب علينا؟؟؟

أحمد: حرب مع العدو الصهيوني وهي مستمره منذ الثامن من تشرين الأول 2023 .

لكني اعلم ان العدو احتل جزءاً من الجنوب قبل ان أغيب بخمسة اشهر .. فهل استمرت الحروب بعد ذلك ، وماذا فعلت المقاومة الفلسطينية ؟

-يا سيدي ، لقد اجتاح العدو الصهيوني لبنان عام 1982 ، واخرج منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل المقاومة كلها من لبنان ، وارتكب مجازر في مخيمات صبرا وشاتيلا والداعوق..

لكن مقاومة اخرى اوسع وأكثر فعالية انطلقت ،لتحرير كل الأراضي اللبنانية التي احتلها العدو منذ عشرات السنين ،وتحررمعظمها وما بقي سوى الأراضي التي احتلها العدو خلال عدوان حزيران 1967..

هنا غضب الإمام ووقف مذهولاً ممّا يسمع وقال: هل ما زال الكيان الغاصب موجوداً؟؟ ألم تزل إسرائيل بعد؟؟؟

أحمد: سيدنا نعم حررت المقاومة معظم الأراضي المحتلة وما زالت على السلاح لكن الكيان الغاصب ما زال موجوداً.

ازدادت دهشه الامام فقال: كيف يكون ذلك؟ أين المسلمين ؟؟ أين العرب؟؟ أين زعماء العرب؟؟

أحمد: أمّا المسلمون والعرب فهم منشغلين بنزاعاتهم المذهبية والطائفية والسياسية والحزبية والعشائرية… بينما أغلب زعماء العرب تنافسوا أيهم يبني علاقات أفضل مع الكيان الغاصب.

“أستغفر الله العظيم” كرّرها الإمام ثلاثاً… “ما هذا الذي أسمع؟!! لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم”.( وما علم الامام بأن أنور السادات الذي ذهب إلى العدو الصهيوني عام 1977 ، وقع مع العدو معاهدة كامب ديفيد عام 78 وصارت نافذة عام 1979)

يتابع الامام: لقد زاد كلامك هذا من قلقي على حال المحرومين والمستضعفين الذين تركتهم امانة بيد المسؤولين… فهل صلحت أحوالهم؟؟ هل رفع الحرمان عنهم؟؟

أطرق أحمد رأسه وقال: مضت سنوات غيابك سيدي وما ازداد المحرومون إلّا حرمانا… ثم أي دولة تتحدث عنها فالدولة اللبنانية قد انهكتها الأزمات، وقطّعتها المحسوبيات، وأثقلتها الديون، ومزّقت أوصالها الفتن، وتقاسم خيراتها السياسيون…

الإمام: ماذا تقول؟؟؟

أحمد: نعم سيدي فلبنان غارق في أزمات اقتصادية، واجتماعية، وتربوية، وانمائية، وسياسية، وثقافية… لقد نخر الفساد كل مفاصل الدولة، واستشرى في مختلف أروقتها حتى باتت -الدولة نفسها- سيفًا مسلطا على رقاب المواطنين لا سيما المحرومين منهم. فمن انهيار العملة الوطنية، وحجز أموال المودعين، ورفع الضرائب والرسوم، وجشع التجار، وسماسرة الأرواح، واحتكار الأدوية الطبية، والمواد الأولية، إلى سوء إدارة المرافق الحيوية، وتردّي البنى التحتية، ناهيك عن أبواق الفتنة التي ينفخ فيها أغلب الساسيين والحزبيين بين الفينة والأخرى، وكلما استشعروا خطر تضاءل بيئتهم الشعبية والتي يستخدمون فيها الناس وقوداً لحركتهم الساسية.

أما المحرومون.. فقد اكتفوا بوضع صورتك في محراب صلاتهم، في مساجدهم، وكنائسهم، وخلواتهم… يناجون الله في دعائهم، والألم قد أخذ منهم مأخذاً عظيماً، وبصوت مقروح مرفق بالغصص والدموع وأنين يخالج الروح… يارب… أرجع لنا إمام الوطن سالماً غانماً حتى يهزم الأحزاب، ويئد الفتن، ويوحّد لبنان… بصلاته، ودعائه، واعتكافه.. . بتواضعه، وابتسامته، وخطابه… بفكره المتميز وعقله المنير وقلبه الكبير نعم سيدي… وحدك من يوحد اللبنانيون، اليوم وفي كل يوم؟ اسمك وذكرك الذي تلهج به ألسنتهم، فكرك الذي لم يُنزع لحظة من عقولهم وصورتك الملائكية التي لم تغادر يوماً مخيلتهم، وغيرتك وعطفك وحبتك التي لازمت قلوبهم…

بكى السيد حتى ابتلّت لحيته بالدموع وجمع حقيبته ونظر إلى أحمد وقال: أرجعني إلى المطار…

تفاجأ أحمد من قرار السيد وقال: لماذا سيدي؟ كنّا بانتظار رجوعك على أحر من الجّمر…

فقال الإمام وقد اغرورقت عيناه الجميلتين الخضراوتين بالدموع: يا أحمد كنت أحسب لحظات الرجوع بفارغ الصبر، أجمع كلمات الخطاب المنظور وعيني على الجنوب وقلبي عند المسجد الأقصى وروحي في كنيسة القيامة وأنفاسي تهمس بأذن الشام أن غازلي العراق والحجاز وارسلي باقات الورود إلى المغرب العربي إلى ضريح جمال عبد الناصر وقولي له ان الصدر عاد… ليجمع شمل العرب ويوحد البلاد ويؤم العباد بـ “حي على الجهاد” جهاد النفس جهاد الأنا جهاد الظالمين والمستعمرين والمحتلين جهاد السياسيين الغاصبين حقوق الناس… لكن ليتك ترى يا أحمد ما رأيت، لتعذر رحيلي… لقد نظرت في أعين السياسيين فرأيت في عين كل واحد منهم شيطاناً ،وفي قلب كل منهم وسواساً ،وخلفهم نوايا خبيثة، وفي قرارة أنفسهم يريدون مني أن أسير في ركبهم وإلا…ورفع يديه نحو السماء وقال: “رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه”…