صراع لم ينطفئ: بين وهم السلام وحقيقة المواجهة

| فاتنة علي |

 

قد يبدو ما سأطرحه غريباً أو غير مألوف، وربما غير مقبول لدى البعض، لكنّه سؤال لا مفر من طرحه على القارئ: هل عشنا يوماً في منطقتنا سلاماً حقيقياً؟

 

من السابع من أكتوبر إلى ما قبله

 

شكّل السابع من أكتوبر منعطفاً تاريخياً حاسماً، عبوراً حقيقياً إلى عمق الكيان لم يشهده منذ نشأته، فارتجّ العالم ودخل في حالة اهتزاز غير مسبوقة. لم يكن الأمر حدثاً عابراً بل زلزالاً استراتيجياً قلب الموازين السياسية والأمنية والفكرية، خصوصاً في غرب آسيا وبلاد الشام ومحيطها.

لكن، هل ما جرى في أكتوبر هو بداية الصراع أم محطة في مسار طويل لم يتوقف يوماً؟

 

محطات في تاريخ الصراع

 

منذ عشرينيات القرن الماضي، والمنطقة لم تعرف هدوءاً دائماً.

 

تقسيمات سايكس بيكو زرعت بذور التفتت.

 

النكبة عام 1948 اقتلعت شعباً بكامله من أرضه.

 

النكسة عام 1967 أطلقت مشروع التوسع بلا حدود.

 

الحروب الأهلية والانقلابات والانقسامات الداخلية فُرضت علينا لتفتيت ما تبقى من نسيجنا.

في كل مرحلة كانت تُرفع شعارات “السلام” و”التسوية”، لكن النتيجة دائماً واحدة: المزيد من الاحتلال، المزيد من التبعية، والمزيد من تشويه الوعي.

 

الحرب بأوجهها المتعددة

 

الحرب العسكرية بوجهها المباشر واضحة النتائج: شهداء وجرحى، دمار للبنى التحتية، تشريد الملايين. لكن الأخطر هو الحرب غير المرئية: الحرب الفكرية والثقافية.

 

الإعلام الضخم الذي يعيد صياغة الحقيقة وفق مصالح القوى الكبرى.

 

المناهج التعليمية التي تُفصل عن تاريخها وجذورها.

 

ثقافة الاستهلاك التي تُفرغ الإنسان من قيمه.

 

سينما وأدب يلمّع المحتل ويُشيطن الضحية.

هذا النمط من الحروب لا يقتل الجسد بل يطمس الهوية ويشوّه الذاكرة الجمعية، ما يجعله أخطر بكثير من المدفع والدبابة.

 

 

وهم السلام

 

الخطاب السائد في العقود الأخيرة يروّج لفكرة “سلام وردي” قائم على التعايش، لكن أي سلام هذا مع وحش لا يتردّد في الانقضاض عند أول فرصة؟

فهل تاريخنا الطويل شهد حقاً زمناً من السلام الدائم؟

وهل يمكن لمعادلة قائمة على الظلم أن تُنتج استقراراً؟

 

صراع الخير والشر: من الميتافيزيقي إلى الواقعي

 

الصراع أوسع من الجغرافيا والطوائف. هو مواجهة بين مشروعين متناقضين:

 

مشروع يسعى إلى الهيمنة واقتلاع الآخر.

 

ومشروع يتمسّك بالحق مهما كلّف الثمن.

ولذلك لا يمكن إغفال البعد الديني والروحي لهذا الصراع. منذ العصيان الأول في السماء، مروراً بقتل الأخ لأخيه، إلى النزاعات المتتالية عبر التاريخ، يبقى الجوهر واحداً: صراع بين الخير والشر، بين الحق والباطل.

الأسماء تتغيّر، الأبطال يتبدّلون، لكن المعركة مستمرة.

 

 

لماذا لم يكتب التاريخ الحقيقة كاملة؟

 

قد يقول البعض: إن كان التاريخ دوّن كل شيء، فلماذا ما زلنا نعاني من التحريف؟ الحقيقة أن التاريخ لا يُكتب دوماً بمداد الحقيقة، بل غالباً بأقلام المنتصرين أو أصحاب النفوذ. لذلك نجد أن صفحات كثيرة شُوّهت، وأصوات كثيرة أُسكتت، وما وصل إلينا ليس سوى روايات مبتورة أو مزوّرة.

 

نحو فهم أعمق للمرحلة

 

إن ما يجري اليوم يثبت أن كل الثرثرات السياسية، والاتفاقات البراقة، والوعود الغربية، ليست سوى ستار من النفاق والكذب. المواجهة لم نخترها نحن، بل فُرضت علينا. وهي مواجهة لا تتوقف عند حدود وطن أو طائفة، بل هي معركة وجودية تُعيد تعريف معنى الحق والعدالة والحرية.

 

قدر لا مفر منه

 

قد يختار البعض الاحتماء بوهم الاستقرار أو الركون إلى مسار التسويات، لكن الحقيقة أن الصراع لن ينتهي ما دامت معادلة الظلم قائمة.

إرادة الخالق تبقى فوق كل الإرادات البشرية، والجوهر ثابت منذ بداية الخليقة: مواجهة الحق للباطل.

ومن هنا، فإن سؤال “هل سنعيش يوماً سلاماً حقيقياً؟” لا يُجاب عنه بالانتظار، بل بالفعل، بالمواجهة، وبالتشبث بالحق مهما بدا الطريق طويلاً ووعراً.