ماذا يجري في سوريا؟

 

علي خيرالله شريف / شبكة جبل عامل الإعلامية

 

بات من الواضح لكل من يتابع مجريات الأحداث أن ما يجري في سوريا لا ينفصل أبدا عما يجري في فلسطين وفي جنوب لبنان وفي اليمن والعراق والسودان وليبيا، ولا ينفصل حتى عن الملف النووي الإيراني ولا عن صفقة القرن. بالإجمال إن أحداث منطقة غرب آسيا تسير في السياق المرسوم منذ زمنٍ بعيد من النيوليبرالية والصهيونية العالمية.

 

كانت سوريا في عدوان تموز عام ٢٠٠٦ السبب الرئيسي في انتصار الم_قا_ومة في لبنان، لأنها السند والعضد والـمَعبر شبه الوحيد لإيصال الدعم إليها. وهذا دفع المعسكر الأميركي إلى الانتقام منها عام 2011 عبر ربيبتها داعش، وعبر حشد ١١٧ دولة في تحالف همجي أدى إلى إدخال وسائل القتل إليها و٢٥٠ ألف مسلح لتدميرها. وأثناء هذا العدوان الدولي كانت الم_قا_ومة في لبنان داعماً رئيسياً للدولة السورية، وعاملاً حاسماً في القضاء على داعش، فما كان من أميركا وإسرائيل والغرب إلا التحضير لشن حرب كبيرة على المقاومة. ولم تنسَ النيوليبرالية روسيا وإيران من حساباتها، فشغلت الأولى بأوكرانيا، وتحاول إشغال الثانية بالملف النووي وبالحصار الاقتصادي وبإرسال الإرهابيين إليها للعبث بأمنها وأمن شعبها، وأخيراً ظَنَّت أن وصول الإصلاحيين إلى الحكم في إيران سَيُقَلِّلُ من دعمها لسوريا.

بنفس الوقت كانت أميركا تدرب الخلايا الإرهابية النائمة في إدلب وريف حلب وفي بعض دُولِ الجوار(ومنها تركيا)، بانتظار ساعة الانقضاض مرةً أخرى على الدولة السورية. وفعلاً عندما ظنت أميركا أنها قصمت ظهر المقاومة في لبنان باغتيال قادتها وتدمير مدن وقرى بيئتها، واعتقدت أنها أنهكت روسيا وحَيَّدَت إيران، حَرَّكت أفواج الإرهابيين نحو حلب وبعض المدن والقرى السورية، كبداية لتنفيذ المخطط. ومن يُراقب وسائل الإعلام الأميركية يلاحظ أنها تواكب حركة المسلحين السوريين بكل تحركاتهم، في حين أن وسائل إعلام المعارضة السورية تعرض دائماً تصريحات المسؤولين الأميركيين، وقادة المعارضة يتكلمون عن الدور الأميركي بشكلٍ إيجابي لافت.

 

العين الشريرة الغربية على سوريا ليست جديدة، فقد شهد العالم حركة الابتزاز الأميركية لسوريا في نهاية القرن الماضي وفي بدايات القرن الواحد والعشرين، عبر وزراء خارجيتها مثل مادلين أولبرايت وكولن بأول وكونداليزا رايس وغيرهم، وعبر التوعُّد بضربها من قِبَل بعض المسؤولين مثل جون بولتون وغيره، قبله وبعده، إن لم تخضع للإرادة الغربية وتقطع علاقاتها مع محور المقاومة، وتسمح بتمرير خط أنابيب الغاز القطري في أراضيها إلى كيان إسرائيل ثم إلى أوروبا. وشهدنا حركة الشيطنة لسوريا بإمرة أميركا، عبر رؤساء فرنسا من نيكولا ساركوزي إلى فرانسوا هولاند إلى إيمانويل ماكرون إلى غيرهم من قادة الدول الغربية ووزرائها. ولا ننسى الدور السعودي والقطري والإماراتي لتدمير سوريا بالمال وبالفتاوى التكفيرية، ودور تركيا كمعبر للإرهابيين الوافدين من كل أقطار الأرض، وعبر تجنيد مرتزقة تابعين لها، وعبر احتلالها لأراضٍ سورية، ودورها في تشجيع النزوح السوري ما أدَّى إلى إغراق حوالي ١٨ ألف نازح سوري في بحر إيجة والبحور الأخرى.

 

حَرَّكت أميركا خلاياها ليقوموا بشكلٍ مفاجئ باحتلال مدينة حلب، العاصمة الاقتصادية لسوريا، وعدة قرى من ريفها وريف حماة ومناطق أخرى، بدعم إسرائيلي تركي شِبه مقنع لغاية اليوم. وعندما قام الجيش العربي السوري بانسحاب تكتيكي لامتصاص الهجمة، بدأت الفصائل المسلحة بالتطبيل والتزمير لانتصاراتها في الميدان، متناغمةً في ذلك مع دعاية لها من الإعلام الصهيوني والأميركي وأذنابهم في المنطقة. ولكن بعد يومين من بدء الهجوم الإرهابي، استعاد الجيش العربي السوري زمام المبادرة وشن هجوماً لاستعادة سلطة الدولة على أراضيها.

 

والشيء بالشيء يُذكر، يتضح من خلال هذه السيناريوهات أنه ليس هناك ما يسمى استهداف سوريا دون لبنان أو فلسطين أو العراق أو اليمن أو إيران وباقي الدول العربية والإسلامية. بل إنَّ كُلَّ تَدَخُّل في أي دولة يعني أن دولةً أخرى ستكون هي التالية. ويعني أيضاً أن وحدة الساحات التي يعتمدها محور الم-قا-ومة، ليست سوى نتيجة حتمية لوحدة الساحات الـمُستَهدَفَة التي يعتمدها المحور الأميركي في دولنا، بأن يقضمها الواحدة تلو الأخرى تنفيذاً لمخططاته التي أشرنا إليها آنفاً. بل إن “وحدة الساحات” التي أعلنها محور الـ-مق-اومة هي واجب على كل دول المنطقة إن أرادت أن تُنقِذَ نَفسَها مِنَ التقسيم ومن الحروب الداخلية والتدمير ومن نهب ثرواتها.

 

من السيناريوهات التي تسعى أميركا إلى تنفيذها في سوريا اليوم، بعد إسقاط الدولة لا سمح الله، إما وضع نظام ضعيف تابع لها موافق على التطبيع وعلى التحالف مع العدو الصهيوني على نمط تركيا والإمارات والبحرين وبعض الدول السائرة في ركابهم، فيُشَكِّلُ جِدارَ عَزلٍ للبنان وخنجراً في خاصرة محور المقاومة يُسَهِّلُ عملية تفتيته والقضاء عليه، ويُشَكِّلُ قاعدة للموساد على نمط أذربيجان. كما يُخرِجُ روسيا والصين من البحر المتوسط، ويقطع التواصل بين لبنان وإيران والعراق. ومن السيناريوهات أيضاً تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية متناحرة، ومتحاربة على النمط الليبي. وفي كلا الحالتين سيكون العدو في مأمن من أي مقاومة قوية تشكل خطراً على وجوده، وسيكون الأميركي مرتاحاً في استخراج الثروات الطبيعية الموجودة في سوريا ولبنان، من غاز ونفط وليثيوم وغيره من المعادن، علاوة على استثمار الأراضي الزراعية وسرقة المياه لمصلحة كيان العدو، ومد خطوط الأنابيب كما تشتهي عبر سوريا، والتي رفضها الرئيس بشار الأسد عدة مرات. ولا ننسى استكمال كل المشاريع المحضرة مسبقاً مثل طريق الهند وقناة بن غوريون وغيرها.

سواء كنا مع الرئيس بشار الأسد أو ضده، يجب أن نعرف أن الهجمة الإرهابية ليس الهدف منها تحرير سوريا كما يدعي بعض قادة المعارضة السورية المسلحة، وليس الهدف منه إسقاط “النظام السوري” وبناء دولة ديمقراطية كما يدعي الأميركيون، بل الهدف منها إسقاط سوريا كدولة واحدة وقوية، وكشعب عربي عريق يتوق إلى الكرامة، ومن ثَمَّ متابعة تفتيت المنطقة بأسرها والقبض على مُقَدَّراتِها وثرواتها وإجبارها على الخضوع لإسرائيل.

 

بناء عليه، يتوجب على كل دول المنطقة وعلى كل مكوناتها من كل الطوائف والأديان والاتجاهات، أن تَتَجَنَّدَ لمنع الإرهابيين من تحقيق مآربهم في سوريا، إن أرادوا أن يعيشوا بسلام وعزة وكرامة، وإن أرادوا أن لا يتحولوا إلى عبيد عند من يعتبرهم “غوييم” ويتحفَّز لذبحهم كالشاةِ ساعة يشاء.

 

وكلمة أخيرة للبنانيين السعداء بما يجري في سوريا؛ اعلموا أن نجاح الإرهابيين في سوريا سيؤدي إلى حصار لبنان وخنقِهِ وإثارة الفِتَنِ فيه، إن لم نقُل متابعة الزحف الهمجي نحوه. عندها سيأتونكم من الشرق بالذبح، وسيأتيكم العدو الصهيوني من الجنوب بِسيفِ الإخضاعِ والاستعباد، وليس فقط التطبيع، وليس لطائفةٍ دون أخرى. عندها لن يَشفَعَ لَكُم قولُ أحدِكُم ذات مرة “فليحكم الإخوان”، لأن حكم الإخوان لكم لن يعتبركم إخواناً… وليفهم أولو الألباب منكم إن كانوا يفقهون.