علي خيرالله شريف / شبكة جبل عامل الإعلامية
يُقَدِّمُ الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية للنازحين السوريين، الكثير من الإغراءات والرواتب والضمان الصحي والمساعدات العينية الدائمة، لكي يبقوا في لبنان. ويمارسون الضغوط على الدولة اللبنانية ويُرسِلون لها التهديدات، ويقدمون الإغراءات، لِكي تُبقِي هؤلاء النازحين على أرضها. ومن المعروف أن الملياردير الصهيوني الشهير، جورج سوروس، يُمَوِّلُ تدريب أعدادٍ كبيرة من النازحين سنوياً، على البقاء في لبنان إلى أجلٍ غير مُسَمَّى. وللأسف كل ذلك يجعلهم يزهدون بالعودة إلى بلادِهِم التي هي بأمَسِّ الحاجة إليهم.
إنَّ مِن أسباب الحرب الكونية على سوريا، التي شارك فيها ١١٧ دولة، والتي تستمرُّ لغاية اليوم، هو رفضها للإملاءات الغربية بِفَكِّ تحالُفِها مع محور المقاومة، والسير في معاهدة سلام مع العدو الصهيوني ورفض كل أشكال التطبيع، الذي انخرطت فيه بعض الدول العربية. فسعى الغرب لتعويض الرفض السوري بجذب بعض شخصيات الائتلاف الوطني السوري إلى التطبيع مثل كمال اللبواني الذي كان أول سياسي سوري يزور كيان “إسرائيل” بشكل علني، ثم تَبِعَهُ سوريون آخرون من تحت الطاولة ومن فوقها، من أدعياء الثورة، فأنشأوا معابر تطبيع وجدراناً طيبة مع العدو، وتلقوا منه كل أنواع المساعدات لتدمير بلدهم. كلُّ ذلك يجعل كُلَّ ذي عقل يفهم لماذا أغرقَ الغرب الشعب السوري في أُتونِ الحروب الطائفية، ولماذا شَرَّدَهُ في شتى أنحاء المعمورة وأغرَقَه في البحار والمحيطات، ولماذا يُصِرُّ على إبقاء النازحين منه في لبنان بالملايين.
إن أميركا والغرب، كما حاولوا إسقاط سوريا، رسموا للنازحين منها دوراً مستقبلياً، عبر زجهم في حربٍ أهلية يحضرونها للبنان، لضرب المقاومة فيه، أو لإشغالها عن دورها الوطني المعروف، وعبر تقديم فرصة للإرهابيين المتغلغلين بين النازحين أن ينتقموا للهزيمة التي ألحقتها بهم الـ-مقا-ومة في المنطقة.
وإذا قلنا أنهم رسموا للنازحين هذا الدور، لا نقصد كلَّ النازحين. بل نقصد من لا مانع لديهم من التورُّط في هكذا مخطط، حتى ولو كانوا وقوداً له. وهؤلاء المتورطين هم من نفس طراز الذين قَبِلوا أن ينخرِطوا في عملية تدمير بلادهم وإيصالها إلى الحالة المزرية التي هي عليها اليوم، بعد أن كانت مثالَ البلد المستقل وغير المديون والمكتفي ذاتياً في الكثير من المجالات الاقتصادية، وكان من أكثر البلدان تقدماً في كل مجالات العلوم والصناعة والزراعة والبحث العلمي.
إن أمريكا تضع في كل بلادٍ تصِلُ إليها، جمراً تحت الرماد. وتعمد إلى إضرام النار فيها عندما ترغب في ذلك، لتحقيق هدفين أساسيين: أمن الكيان الصهيوني، ونهب ثروات الشعوب. وفي هذا الإطار، أوجدت من تلك الجمار في لبنان خلايا نائمة من النازحين السوريين ومن غيرهم، مُهيَّأة لساعة الصفر. وهذه الخلايا، المتغلغلة في أنحاء لبنان، هي على اتصال وتنسيق دائمين مع العدو الصهيوني، تنقل إليه المعلومات التي تتمكن من الحصول عليها، بالتنسيق مع عدة سفارات غربية وعربية.
إذن، إن غايةَ أمريكا والغرب من وراء إبقاء النازحين في لبنان، هو استعمال بعضِهِم غب الطلب، لتخريب الساحة اللبنانية بالشكل الذي ذكرناه، بنفس الطريقة التي يستعملون فيها الدواعش هذه الأيام للقتال في أوكرانيا وفي غيرها.
إن بقاء النازحين السوريين خارج بلادهم ليس لمصلحتهم ولا لمصلحة بلادهم ولا لمصلحة البلاد التي هم فيها. وإنَّ عَودَتَهُم تحفظ كَرامَتَهُم وتمنحهم الفرصة لتوحيد بلدهم وبنائه على أسس المحبة والإلفة التي نشأت عليها منذ الأزل. وهذا يؤمِّن مستقبل أبناء البلدين، ويُبعِدُ عنهما خطر التغيير الديمغرافي، وخطر الحروب الداخلية التي أرادها الغرب لهما.
إذن، أين يكمن الحل لهذه المعضلة في لبنان؟
المطلوب منا كشعب لبناني، أن نكون أكثر وطنيةً، وأوسع أفقاً من الزواريب الطائفية، لكي نرى بشكلٍ أوضح مصلحة بلدنا ومستقبله، بعيداً عن عناد بعض السياسيين قصيري النظر، الذين يزجون أنصارهم في مواقف حمقاء لا يعرفون إلى أي هاويةٍ تقودهم وتقود بَلَدَهُم. والمطلوب من الحكومة اللبنانية أن تتمَرَّدَ على الإملاءات الأميركية والأوروبية، وأن تلتقي مع الحكومة السورية، لقاءَ الندِّ للنَد، ولقاء الدولة مع الدولة، ويضعوا برنامجاً لإعادة النازحين إلى بلادهم مُعَزَّزين مُكَرَّمِين، بطريقةٍ منهجيةٍ راقية وتدريجية؟