بقلم علي خيرالله شريف
بالأمس طلعت علينا الحكومة الميقاتية بقرارات ضريبية لا يستطيع تحملها إلا شعبٌ يفوق دخل الفرد فيه دخلَ الفرد في أغنى الدول الخليجية أو الاسكندينافية وأكثرها رفاهيةً وترفاً. الدولة اللبنانية تقَدِّم لشعبها عيشة المسحوقين وتأخذ منه ضرائب الأثرياء.
واليوم تكاملت قرارات الحكومة الميقاتية مع قرارات حكومة أصحاب الـمُوَلِّدات الذين يتمتعون بقوة عظمى تفوق قوة الدولة وتُضاهيها بالتعَسُّفِ والطغيان.
فَليَعلم أهل غزة الأحباء أنهم ليسوا الوحيدين الذين تُرتَكَبُ بحقهم المجازر بالآلاف، بل لهم أخوةٌ في لبنان تُسفَكُ معيشتُهم بمجازر اقتصادية إلى درجة التَسَوُّل. وبعضُهم يفكرون بالنهب والسرقة وقطع الطرقات لكي يستطيعوا دفع الضرائب وشراء لقمة عيش أطفالهم والدواء والمحروقات، ودفع فواتيرِهِم الشهرية والسنوية الناتجة عن الجشع والقرارات الاعتباطية. والـمُعتَدون عندنا ليسوا صهاينة، بل هم منا وفينا. وتتم تغطيتُهُم من جهاتٍ لا رحمة لها ولا موضوعية، ولا ذرة تفكير خارج المصالح الشخصية.
نعم، يشكل أصحاب المولدات الكهربائية في لبنان مافيا أقوى من الدولة لدرجة أنهم انتقلوا من مرحلة عدم الاكتراث بالدولة إلى مرحلة الحصول على تبعية الدولة لهم وانصياعها لشهواتهم.
لغاية اليوم، وبفضل فشل دولتنا العَلِيَّة في توفير الكهرباء لشعبها، وبعد التعرفات الجنونية والعشوائية، فرض أصحاب المولدات على الناس “الخُوَّة” عدة مرات تحت عنوان “تأمين”. وهذا الأسبوع تنتشر أخبارٌ جديدة بين الناس عن نيتهم استيفاء مبلغ “تأمين” إضافي مُبتَدَع دون مُسَوِّغٍ قانوني ولا أخلاقي، بقيمة ١٠٠ دولار أميركي، أي تسعة ملايين ليرة لبنانية. ما بالُ هذا التأمين الذي يُفَرِّخ كلما تحركت شهوةُ هؤلاء لابتزازنا، ونحن لا طاقة لنا ولا مُجير؟
هذا الخبر ينتشر في الضاحية الجنوبية وبعلبك وغيرهما من المناطق “المحظوظة”، ويشمل أصحاب الدخل المحدود والنازحين من أهل الجنوب بسبب العدوان الصهيوني، والفقراء بالوراثة وبأداء الحكومات الفاشلة. وهذا يعني أن بيئة المق_او_مة هي المستهدفة من قوى الجشع وقلة الرحمة. والمستهجن بالأمر أن بعض منتسبي الحزب والحركة هم شركاء بعض أصحاب الـمُوَلِّدات، ويقال أن بعضهم هم أنفُسُهُم أصحاب مولدات، ومنخرطين في حملة ابتزاز أهلهم بكلِّ إصرارٍ وتصميم.
وكأننا لا يكفينا حصار السفارات والمبعوثين والـمُتَخاذِلين والمتآمرين والمحسوبين والفاشلين، والحروب التكفيرية المتربصة بنا، وغلاء الأسعار وإجرام العدو بحقنا، حتى ابتُلينا بانتقال العدوى إلى كل مجتنعنا، فاستلم زمام أمورنا شرار قومنا من معدومي الكفاءة والنزاهة والتقوى، وتحكَّم بنا المتاجرون بالفائدة وبالكهرباء والماء والغذاء والهواء.
لا دولة ولا قضاء ولا ضمير عند الممسكين بنواصينا. إننا نقولها بصراحة ودون مواربة، كنا ننتظر من النواب والمسؤولين وكل الحريصين على شعبهم، أن لا يسمحوا بتمرير الضرائب علينا ونحن المسحوقين، وأن يضغطوا باتجاه تحويل الاقتصاد اللبناني إلى اقتصاد مُنتِج غير قائم على المقامرة والعمولات والتشليح والقرصنة والسمسرة. سكتوا عن كل ذلك حتى أحبطونا. واليوم يغضُّون الطرف ونحن نتعرض لحملة قرصنة جديدة من مافيات الـمُوَلِّدات، المنتشرة كالفطر في كل مكان. يفتكون بنا، ويُسَلطون على رقابنا زياداتهم المزاجية دون حسيب ولا رقيب. وربما غداً سنتلَقَّى الضربات نفسها من تجار المحروقات، وأصحاب الأفران وغيرهم، إلى أن نصل إلى ما تحت الهاوية التي أسقطتنا فيها حكوماتنا. فهل يا ترى سيدافع عنا النواب والأحزاب والحركات والفعاليات أم سيتركوننا وحدنا نناطح العابثين بشؤوننا؟ وهل يريدوننا أن نَشَكِّلَ عصابات مسلحة كي ندافع عن أنفسنا أمام هذا الكم الهائل من العصابات التي ترتدي أحياناً البزات الرسمية وأحياناً أخرى تتقمص جلباب التقوى أو دور الكيانات الأهلية؟