ميلاد الإمام علي بن الحسين عليهم السلام

كتب سماحة الشيخ حيدر الدمشقي

بسم الله الرحمن الرحيم
أسعد الله أيامكم بذكرى ميلاد سيد الساجدين و زين العابدين الامام علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب ” عليهم أفصل الصلاة وأزكى السلام ”
وبهذه المناسبة العطرة أتشرف أن اضع بين ايدكم شيء بسيط من الخصائص السجادية حتى تكون عندنا صورة إجمالية عن مولانا الامام المظلوم علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام ؛
انّ من جملة خصائص الامام زين العابدين عليّ بن الحسين (عليه السلام) :
١- تأليف الصحيفة الكاملة التي هي مصحف أهل البيت و العروة الوثقى للشيعة.
٢- انّه جمع بين الخيرتين، خيرة العرب و خيرة العجم باعتبار امّه و أبيه، و قد قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) : انّ للّه من عباده خيرتين فخيرته من العرب قريش و من العجم فارس‏ ، فلذا لقب (عليه السلام) بابن الخيرتين.
٣- انتشار نسل رسول اللّه (صلى الله عليه واله) منه فلذا قيل فيه: آدم بني الحسين، و هو اوّل من اختار العزلة و أوّل من سجد على تربة الحسين (عليه السلام) و أكثر من بكى.
و روي انّ البكائين خمسة: آدم و يعقوب و يوسف و فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه واله) و عليّ بن الحسين (عليه السلام).
٤- نشر و تأسيس الشعائر الحسينية المقدسة :
– البكاء على الإمام الحسين عليه السلام

يشكّل البكاء على سيّد الشهداء عليه السلام جزءاً هامّاً من حياة الإمام السجّاد عليه السلام،حيث أخذ حيّزاً كبيراً من عمره الشريف، كما تحدّث بذلك العديد من الروايات، فقد كان يذكّر الناس بمصيبة أبيه،في كلّ يوم، وعند كلّ مناسبة،ليبقي جذوة هذا الحزن وقّادة في نفوسهم، وليذكّر الأمّة بالجريمة، التي ارتكبتها بحقّ آل بيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، بخذلانها لهم، وابتعادها عن نهجهم،حتّى لقد عُدّ الإمام بحقّ أحد بكّائي التاريخ،وعرف بلقب “البكّاء” لكثرة بكائه.

عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال:”بكى عليّ بن الحسين على أبيه حسين بن عليّ عشرين سنة، أو أربعين سنة ، وما وَضع بين يديه طعاماً إلّا بكى على الحسين، حتّى قال له مولى له:جعلت فداك يا بن رسول الله، إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنمّا أشكو بثّي وحزني إلى الله، وأعلم من الله ما لا تعلمون، إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلّا خنقتني العبرة لذلك” .
٥- تأسيس الحوزة العلمية :
يعتبر الإمام السجاد عليه السلام المؤسّس الثاني لمدرسة أهل البيت، بعد المؤسّس الأوّل صلى الله عليه واله وسلم والمشيّد على ذلك الصرح الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام.
كان منزل الإمام السجّاد عليه السلام مدرسة، ومسجد الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم مركزاً لمدرسته، ومعهداً لتعليم طلّابه، ونقطة انطلاق لتدريب تلامذته، لبثّ العلوم الدينيّة إلى العالم، وإلى الأجيال الصاعدة، فكان يلقي محاضراته وبحوثه على العلماء والفقهاء، وكانت تلك البحوث تتناول العلوم الإسلاميّة المهمّة والحسّاسة، منها علم التفسير، وعلم الفقه، والحديث،، وعلم الكلام، وقواعد السلوك، والأخلاق.كما كان يلقي في كلّ جمعة خطاباً عامّاً جامعاً على الناس، يعظهم فيه، ويزهّدهم في الدنيا، ويرغّبهم في الآخرة.وكان الناس يحفظون كلامه ويكتبونه، وقد التفّ العلماء والفقهاء والقرّاء حول الإمام عليه السلام ، لا يفارقونه حتّى في سفره إلى حجّ بيت الله الحرام، يستمعون إلى حديثه، ويسجّلون فتاواه، ويدوّنون ما يمليه عليهم من علوم ومعارف وحكم وآداب.وقد تخرّج في مدرسته مجموعة كبيرة من فطاحل العلماء والفقهاء، الذين اشتهروا بالرواية عنه عليه السلام.منهم على سبيل المثال:أبان بن تغلب، والمنهال بن عمرو الأسديّ، ومحمّد بن مسلم بن شهاب الزهريّ، وسعيد بن المسيّب، وأبو حمزة الثماليّ، وسعيد بن جبير، ويروى أنّ سفيان بن عيينة، ونافع بن جبير، وطاووس بن كيسان، ومحمّد بن إسحاق، قد أخذوا عن الإمام السجّاد عليه السلام بعض الأحاديث، وغيرهم…
وقد أحصى الشيخ الطوسيّ في رجاله، وغيره من أصحاب التراجم، أكثر من مائة وستّين من التابعين والموالي، كانوا ينهلون من معينه، ويروون عنه في مختلف المواضيع، وعدّوا منهم: سعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبير، ومحمّد بن جبير بن مطعم، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر، وجابر بن عبد الله الأنصاريّ، ويحيى بن أمّ الطويل، وأمثال هذه الطبقة من أعلام الصحابة والتابعين…

وأنشأت في عصر الإمام عليه السلام مدرسة التابعين، وهي أوّل مدرسة إسلاميّة افتتحت في يثرب بعد مدرسة أئمّة أهل البيت.وقد عنت هذه المدرسة بعلوم الشريعة الإسلاميّة، ولم تتجاوزها، أمّا مؤسّسوها وأساتذتها، فهم:سعيد بن المسيّب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد.ومن الجدير بالذكر أنّ بعض هؤلاء العلماء كانوا ممّن تتلمذ على يد الإمام زين العابدين عليه السلام ، وأخذوا عنه الحديث والفقه.
٦- العبادة الحقيقية :
كان (عليه السلام) إذا توضأ للصلاة يصفر لونه فيقول له أهله ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء فيقول أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم .
و منها أنه كان إذا مشى لا يجاوز يده فخذه و لا يخطر بيده و عليه السكينة و الخشوع و إذا قام إلى الصلاة أخذته الرعدة فيقول لمن يسأله أريد أن أقوم بين يدي ربي و أناجيه فلهذا تأخذني الرعدة.
ووقع الحريق و النار في البيت الذي هو فيه و كان ساجدا في صلاته فجعلوا يقولون له يا ابن رسول الله يا ابن رسول الله النار النار فما رفع رأسه من سجود حتى أطفئت فقيل له ما الذي ألهاك عنها فقال نار الآخرة.
٧- تحريره للعبيد

من الظواهر اللاَّفتة حقّاً في حياة الإمام زين العابدين عليه السلام،هي علاقته بهذه الطبقة الضعيفة من أبناء المجتمع آنذاك، وهم العبيد والإماء،فقد كان يهتمّ بشرائهم وتربيتهم ثمّ عتقهم، فهو يشتري العبيد لا لحاجة إليهم،ولكن ليعتقهم،ويذكر التاريخ:إنّه عليه السلام أعتق مئة ألف”.

ويصف الإمام الصادق عليه السلام جانباً من تعامله الإنسانيّ والمميّز مع هذه الشريحة الاجتماعيّة، إذ يقول:”كان عليّ بن الحسين إذا دخل شهر رمضان لا يضرب عبداً له ولا أمة، وكان إذا أذنب العبد والأمة يكتب عنده أذنب فلان، أذنبت فلانة يوم كذا وكذا، ولم يعاقبه فيجتمع عليهم الأدب،حتّى إذا كان آخر الليلة من شهر رمضان، دعاهم وجمعهم حوله، ثمّ أظهر الكتاب، ثمّ قال:يا فلان فعلت كذا وكذا، ولم أؤدّبك، أتذكر ذلك؟ فيقول:بلى يا بن رسول الله، حتّى يأتي على آخرهم فيقرّرهم جميعاً.
“ثمّ يقوم وسطهم، ويقول لهم:ارفعوا أصواتكم، وقولوا:يا عليّ بن الحسين، إنّ ربّك قد أحصى عليك كلّما عملت،كما أحصيت علينا كلّما عملنا، ولديه كتاب ينطق عليك بالحقّ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ممّا أتيت إلّا أحصاها، وتجد كلّما عملت لديه حاضراً، كما وجدنا كلّما عملنا لديك حاضراً، فاعف واصفح كما ترجو من المليك العفو، وكما تحبّ أن يعفو المليك عنك، فاعف عنّا تجده عفوّاً، وبك رحيماًَ، ولك غفوراً، ولا يظلم ربّك أحداً، كما لديك كتاب ينطق علينا بالحقّ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ممّا أتيناها إلّا أحصاه،فاذكر يا عليّ بن الحسين ذلّ مقامك بين يدي ربّك، الحكم العدل الذي لا يظلم مثقال حبّة من خردل، ويأتي بها يوم القيامة، وكفى بالله حسيباً وشهيداً، فاعف واصفح يعفُ عنك المليك، ويصفح، فإنّه يقول:﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيم﴾
قال:وهو ينادي بذلك على نفسه ويلقّنهم، وهم ينادون معه، وهو واقف بينهم يبكي وينوح، ويقول:ربّ إنّك أمرتنا أن نعفو عمّن ظلمنا، فقد ظلمنا أنفسنا، فنحن قد عفونا عمّن ظلمنا، كما أمرت، فاعف عنّا فإنّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين، وأمرتنا أن لا نردّ سائلاً عن أبوابنا، وقد أتيناك سؤّالاً ومساكين، وقد أنخنا بفنائك وببابك، نطلب نائلك ومعروفك وعطاءك، فامنن بذلك علينا، ولا تخيّبنا، فإنّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين، إلهي كرمت فأكرمني، إذ كنت من سؤّالك، وجدت بالمعروف فاخلطني بأهل نوالك يا كريم.

“ثمّ يقبل عليهم، فيقول: قد عفوت عنكم فهل عفوتم عنّي ممّا كان منّي إليكم من سوء مِلكة، فإنّي مليك سوء، لئيم ظالم، مملوك لمليك كريم جواد عادل محسن متفضّل، فيقولون: قد عفونا عنك يا سيّدنا، وما أسأت، فيقول لهم: قولوا: أللَّهم اعف عن عليّ بن الحسين كما عفا عنّا، وأعتقه من النّار كما أعتق رقابنا من الرقّ، فيقولون ذلك، فيقول: أللَّهم آمين، يا ربّ العالمين، اذهبوا فقد عفوت عنكم، وأعتقت رقابكم، رجاءً للعفو عنّي وعتق رقبتي، فيعتقهم.
“فإذا كان يوم الفطر، أجازهم بجوائز تصونهم وتغنيهم عمّا في أيدي الناس، وما من سنّة إلّا وكان يعتق فيها آخر ليلة من شهر رمضان، ما بين العشرين رأساً إلى أقلّ أو أكثر. وكان يقول: إنّ لله تعالى، في كلّ ليلة من شهر رمضان عند الإفطار، سبعين ألف ألف عتيق من النّار، كلّاً قد استوجب النّار، فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه، وإنّي لأحبّ أن يراني الله، وقد أعتقت رقاباً في ملكي في دار الدنيا، رجاء أن يعتق رقبتي من النّار. وما استخدم خادماً فوق حول، كان إذا ملك عبداً في أوّل السنة أو في وسط السنة، إذا كان ليلة الفطر أعتق واستبدل سواهم في الحول الثاني، ثمّ أعتق، كذلك كان يفعل حتّى لحق بالله تعالى،ولقد كان يشتري السودان وما به إليهم حاجة، يأتي بهم إلى عرفات، فيسدّ بهم تلك الفرج والخلال، فإذا أفاض، أمر بعتق رقابهم، وجوائز لهم من المال .

-كربلاء المقدسة
– الشيخ حيدر الدمشقي