كتب الاستاذ علي خيرالله شريف:
نشاهد غزَّةَ عبر الشاشات، ونسمع الكثيرين يتساءلون، منذ السابع من تشرين الأول 2023، كيف يمكنهم الوصول إليها إن أرادوا إغاثَتَها. ومن الـمتحمسين كوادر طبية وتمريضية، وميسورون، ومقاتلون وغيورون من مختلف الأعمار والمشارب والمذاهب، من اليمن إلى العراق إلى الأردن إلى مصر ولبنان وسوريا، إلى كل بقاع المسلمين وغير المسلمين، ممن لم يعودوا قادرين على السكوت وهم يشاهدون غزةَ تحترق بنيران الحقد الصهيوني والغربي. يُشاهدون االناس هناك تُقَتلُ بالعشرات كل دقيقة أو أقل من دقيقة، والبيوت والمستشفيات والأسواق والمدارس والأخضر واليابس، تُدَمَّرُ بأكثر الأسلحة فتكاً وإجراماً، بلا شفقة ولا رحمة ولا حقوق إنسان، ولا أدنى مستوى من القيم الأخلاقية. والدُول الغربية تتهافت إلى تل أبيب، حاملةً معها كل ما لديها من أموال وأحدث ما تيسَّرَ لها من سلاح، وأفتك ما عندها من وسائل قتل، وأقذر ما تحمِلُ من حقدٍ دفين، للقضاء على الفلسطينيين. والأنظمة العربية، أكثرُها متواطئة، وبعضُها يشاركون في حصار القطاع، حتى سدُّوا عليه المنافِذَ والمعابِرَ، وراحوا يشاركون العدوَّ في التخطيط للإجهازِ على على ما تَبَقَّى من الشعب. والشعب، مُطبَقٌ عليه من كُلِّ الجهات ومن الفضاء والبحر ومن تحت الأرض. فكيف يا تُرى يمكِنُ الوصول إلى غزَّةَ بأقربِ وقت، قبل نفاذِ المحروقات ولقمة العيش وقطرة الماء والأوكسيجين والأمصال وحبة الدواء في ما تَبَقى من صيدليات ومن أنقاض المستشفيات وسيارات إسعاف؟
خمسٌ وعشرون دولة عربية(لغاية الآن) حدودُها مُحكَمَةُ الإغلاق على مواطنيها وعلى كُلِّ عربي، ومفتوحةٌ على مصراعيها لغيرِهم. تصَوَّروا معي كيف يمكن اجتياز حدود خمسٍ وعشرين دولة، تصلُ حدودها إلى حوالي خمسين جدارٍ من الإسمنت والمخابرات وحراس الحدود. عدا عما يُحَضَّرُ من تقسيماتٍ جديدة ومن تفريخاتِ دُوَلٍ مُستحدثة بناءً على غريزة امبراطورية الشر الأميركي، وبناءً على غبائنا نحن العرب. فكيف للغيورين من شرفاء الشعوب، اجتياز تلك الحدود؟
إذا نظرنا إلى خريطة فلسطين، فما هي الطريق الأقرب إلى قطاع غزةَ؟
من الشمال لبنان، ومساحاتٌ طويلة من الاحتلال وقوات الطوارئ والمنشآت والمخاطر. ومن الشرق، الجولان المحتل وكُلّ متاريس العدو، والأردن وكل ما يحمل نظامها من ولاءِ للعم سام وللسيد البريطاني، والضفة الغربية وسلطة محمود عباس الحارس الأمين لمصلحة إسرائيل، ومن الجنوب، مصر صاحبة مؤتمرات السلام. ومصر هذه، أم الدنيا هي الأقرب، فهي على مرمى حجر من غزة ولا يفصلها عنها سوى خان يونس ورفح، وهنا بيت قصيد الحصار من معبرها الشهير. نعم إن عنق الزجاجة هو بيد المصريين، فمنه يتم قطع إكسير الحياة عن فلسطين.
لذا نقول للغيورين، وأصحاب النخوة والشهامة من باب المندب إلى جاكرتا، أن لبنان يقوم بواجبه رغم المسافات الشاسعة، وهو يبلي بلاءً حسناً لنُصرَةِ أختِهِ غزة، وأن الجولان كلمتُه بيد سكانه من السوريين إن أرادوا أن يتحركوا. أما البابان الأصلح اللذان يمكنهما فك الحصار عن غزة حتى لو عارضت كل الدول العربية وكل الدول الغربية وعلى رأسها أميركا والكيان الغاصب، فهما: الأول يُفتحُ من القاهرة، بكبسة زر اسمُهُ “معبر رفح”، ليتدفق الرجال وشاحنات الإغاثة، ومنه يمكن كسر شوكة الاحتلال، إن أرادت مصر. أما الباب الثاني فاسمه الضفة الغربية ومفتاحُهُ الأردن، وطريقُهُ سلطة محمود عباس. فإن أرادت الأردن عصيان الغرب وطاعة نداء الشرف والكرامة، يمكنها فتح الباب لإغاثة غزة، وإن أرادت سلطة محمود عباس الرجوع إلى وطنيتها، يمكنها فتح الطريق لإغاثة شعبها. فلا أسهل من اعتناق الكرامة. إذن أتركوا كل التخمينات ووجهوا أنظاركم ونداءاتكم نحو مصر والأردن، وإن اللبيب من الإشارة يفهم.