وَلَنَبلُوَنَّكُم… وبَشِّرِ الصابرين

علي خيرالله شريف / شبكة جبل عامل الإعلامية

 

قيل في المأثور أن الضربة التي لا تقتُلُكَ تَزيدُكَ قُوَّة. لا شك أن الضربة قاسية والفاجعة أليمة. وليس من شأننا طرح الأسئلة التي تتقاذفُها عفوياً ألسنتُنا وتَفورُ مِن أفكارنِا ومِن قُلوبِنا الـمَليئة حزناً وغيظاً وثورةً وعطَشاً للانتقام.

ولكننا أمام هول المأساة نستذكر كربلاء، الفاجِعة التي أنتجت ثوراتٍ عبر التاريخ، وزلزلت عروشاً وأسقطت طغاة. ثلاثة وسبعون من قادة أمة محمد(ص)، تم قتلهم في الرمضاء، وتم تقطيع رؤوسهم وأوصالِهم، إشباعاً لغريزة الدَّعيِّ بنِ الدَّعِيّ، الذي ظَنَّ يومَها أنه فاز. والنتيجة أن أيامَهُ لم تَكُن إِلَّا عدداً، وسرعان ما صار جَمعَهُ بَدَداً، تماماً كما قالت له السيدة زينب، بِنتُ قاتِلِ مَرحَب.

دماءُ شهداءِ كربلاء التي أُزهِقت، ما زالت تُزهِرُ على مَرِّ التاريخ، أبهى مشهدِيَّاتِ البطولة. ورؤوسُهُم التي قُطِعَت، أضحت قِمَماً بالاستقامة والعنفوان والرجولة. وصار الحسين(ع)، ليس فقط رمزاً للفداء، بل أيضاً مَعيناً لرسالة الأنبياء وطهارة العطاء، وقُدوَةً لِكُلِّ أَحرارِ العالم، ومدرسةً للثوار التواقين للحرية والعدالة وحقوق الإنسان الحقيقية غير المكذوبة.

وأمام هذه المأساة أيضاً، نستذكرُ التفجير الذي ارتكبه أولاد الأفاعي والخنازير في المقر الرئيسي للحزب الجمهوري الإسلامي في طهران، أثناء اجتماع قادته، في 28 تموز 1981مـ، وارتقى يومها عددٌ مساوٍ لعدد أصحاب الحسين(ع)، ثلاثة وسبعون شهيداً من قادة الحزب، من بينهم رئيسُه ُآية الله بهشتي، ثاني أقوى شخصية في الثورة بعد الإمام الخميني آنذاك. ورغم المأساة لم تنحَنِ هامة الجمهورية الإسلامية، بل نهضت أقوى من السابق حتى بلغت كُلَّ سُبُلِ التِطَوِّرِ والتَقَدُّمِ والقُوَّة، وانتصرت على كل المؤامرات التي حيكت ضدها.

إن ما أصاب الم_قا_ومة الإسلامية في لبنان منذ ١٧ أيلول هو ضريبة نصرة الحق، وكانت باهظة جداً، وقاسية جداً، تَضَمَّنت مجازر متلاحقة بين المدنيين والأطفال والمقا_ومين والأدمغة والمفكرين.

هكذا هي طريق ذات الشوكة، مليئة بالعوائق، ومحفوفة بالمخاطر، وكُلَّما ازداد المرءُ استقامَةً كُلَّما كَثُرَ أعداؤُه. أليس جَدُّنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام هو القائل “ما ترك لي الحق من صاحب”؟

الحق يعني الاستقامة ويعني عدم المساومة، ويعني نصرة المظلوم، ويعني التصدي للطغاة والمحتلين والناهبين والمتغطرسين. وكلما قويت شوكةُ الـمُحتَلِّين والمعتدين، كلما ازداد إجرامُهُم. وإجرامهم هذا يصيب حتما أنصار الحق أينما وجدوا. فهل هناك مظلومية أكثر من مظلومية الشعب الفلسطيني؟ وهل هناك حق أسطع من حقهم في أرضهم وحريتهم وحياتهم؟ وهل هناك أكثر عداءً للحق من قتلة الأنبياء وشذاذ الآفاق، الحاقدين على نبي الهدى محمد(ص) وعلى آل بيته، لدورهم الريادي في التصدي لعُتُوِّهِم وإجرامهم وإفسادهم في الأرض.

مجزرة كربلاء أثمرت تغييراً لوجه التاريخ، ومجزرة الحزب الجمهوري الإسلامي في طهران ودماءُ شهداء الثورة، أثمروا تغييراً لوجه المنطقة، وأنتجوا دَولَةً تنصر الحق وأصحابَه، وتضاهي الدول الكبرى. كذلك هي الحال بالذين ارتكب العدو الصهيو-أميركي فيهم المجازر بالأمس في لبنان، فهم لم يتخلُّوا يوماً عن وفائهم لثورةِ كربلاء، وللقادة الكربلائيين الذين ارتقوا على طريق القدس في الضاحية والجنوب والبقاع وكل لبنان. ولسانُ حالِهِم يقول: لقد غَفِلَت شجاعتُنا عن نَذالَةِ غدركم، حتى بلغ إجرامُكم الحدَّ الذي لم يمنعكم من تفجير هواتف المواطنين، بالتواطؤ مع جهاتٍ مخابراتية وتجارية مشبوهة، فَفَتَكتُم بِالنَّاسِ دون استثناء، وهم بين عوائلهم وأطفالِهِم، وفي أسواقهم ومع أهاليهم. ثم خرج النتن الحقير يعزِفُ بِشَفَتَيه صَفَّارَةَ الشماتةِ ويزهو بمجازره، تماماً كما يفعل في فلسطين.

ولكن غاب عن بالِهِ أن الذين ارتكب المجازر بحقهم، هم أحفاد ليث كربلاء، وَوَرَثَةُ قاتل مرحب، ووراءهم عشرات آلاف عماد مغنية وإبراهيم عقيل وحسان اللقيس، وكل حَلَقاتِ السلسلة الذهبية من تلامذةِ الرضوان، وأنهم يؤمنون بالآية الكريمة التي تقول “ولَنَبلُوَنَّكُم بشيءٍ مِنَ الخوفِ والجوعِ، ونقصٍ مِنَ الأَموالِ والأَنفسِ والثمراتِ، وبشّرِ الصابرينَ الذينَ إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا: إنّا للهِ وإنّا إليهِ راجعونَ”. ويؤمنون بالآية الكريمة التي تقول: “وسيعلم الذين ظَلَموا أيَّ مُنقَلَبٍ ينقلبون”.

أما في القول المأثور “الضربة التي لا تقتلك تزيدك قوة”، فإن التجارب أثبتت أن رجال الله هم صانعو المعجزات في أصعب الملمَّات، وكما قال سيِّدُهم “الأيام بيننا والميدان”.