*أكد الوزير اللبناني السابق، الدكتور مصطفى بيروم ان نشوة العدو بعد استشهاد القادة مؤقتة، لأن الخط والفكر والجهاد لن يموتوا. فالمسيرة مستمرة، وكل واحد منّا يمكن أن يكون حسن نصر الله أو هاشم صفي الدين بقدر استطاعته.*
وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: حضوره كان ولا يزال أقوى من الموت. الآن يتابع مسيرته ونهجه ملايين البشر من أحرار العالم. هذه المدرسة مدرسة شهيدنا الأقدس سماحة السيد حسن نصر الله (قدس الله سره) مستمرة لحين زوال هذا الكيان المؤقت… ونظرًا لاستثنائية هذه الشخصية كتبت الصحافة اللبنانية والعربية والعالمية أغلبها عن سيد شهداء الأمة، وكتب المفكرون والأدباء والشعراء ورجال الدين الكثير عنه. ولكن نقف عند كلمة قالها رئيس وزراء العدو نتنياهو: أنه يفهم أن نصر الله هو محور المحور… وبإذن الله هذا المحور يتعافى والمقاومة تتعافى ومسيرته أصبحت نموذجًا يُحتذى به جميع أحرار العالم، ويقتدي بهذا القائد الأممي الهاشمي. وستثبت الأيام أن سماحة شهيدنا الأقدس والاسمُه حسن نصر الله في استشهاده أقوى من حياته.
حول الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد شهيدنا الأقدس والاسمى سماحة السيد حسن نصر الله والسيد الهاشمي السيد هاشم صفي الدين، أجرت مراسلتنا، الأستاذة وردة سعد، حواراً صحفياً مع معالي الوزير السابق الدكتور مصطفى بيروم. وجاء نص الحوار على النحو التالي:
بعد عام من أبشع عدوان وجريمة عرفها تاريخ الصراعات والحروب يؤكد جرحى المقاومة التعافي، ونحن نرى بالفعل أن هؤلاء الأبطال عادوا لصناعة الحياة ومواجهة الطغاة. ولكن الناس تسأل عما لا تراه!! فهل تعافت المقاومة بقدراتها القتالية فعلاً؟ وهل باتت جاهزة لمنازلة نوعية مختلفة كمٌا تهدد العدو؟”
التعافي حصل منذ اللحظات الأولى بالمعنى المعنوي، لكن اليوم التعافي هو بالمعنى المادي وبنسبة كبيرة بالمعنى الروحاني. لأن منذ اللحظة الأولى كان يُراد من قبل العدو أن يحدث الصدمة والترويع، لكن الشباب المطمئنون بقدر الله، المطمئنون برضوان الله، بالتوكل على الله. وباعتراف الكثير من الأطباء، ومن بينهم سعادة النائب الدكتور إلياس جرادي الذي كان في طوارئ المستشفيات وشهد كيف أنهم كانوا يصلون من دون صراخ؛ كانوا يصلون بحالة من الطمأنينة رغم الأوجاع الفادحة والقوية. نعم، التعافي حصل على المستوى الروحاني، على المستوى المعنوي، وعلى المستوى المادي بنسبة معينة. طبعا يبقى من فقد بصره هذا يعني للأسف لا يكون لديه تعافي مادي بالمعنى المادي، لكن إن فقدنا البصر لا نفقد البصيرة، ولا نفقد الرؤية الثاقبة والواضحة والمباشرة التي نستطيع أن نميز فيها بين الحق والباطل. نعم، المقاومة في حالة تعافي، ليس فقط الجرحى… المجاهدون الذين خاضوا حربًا تكاد تكون إعجازية أمام تضافر قوى الشر في العالم، وأمام أحدث الأسلحة من قتلٍ ومن غدرٍ ومن تدميرٍ ومن سحقٍ ومن محاولات إبادةٍ ومن قتل للقادة، لكن كانت رسالتهم تقول: يمكن أن تقتلوا أجسادنا، يمكن أن تدمروا بعض بيوتنا، ولكن هيهات أن تقضوا على إرادتنا.
بعد استشهاد قادة المقاومة وعلى رأسهم سيد شهداء المقاومة شهيد الأمة سماحة السيد حسن نصرالله طغت موجة من الارتياح أوساط قادة الاحتلال وأدواتهم المحلية.. هل تمكن هؤلاء من تغيير قواعد الصراع ونقل لبنان إلى مكان آخر في مواجهة الاحتلال؟ وما خطورة هذا الشعور الزائف على إمكانية تجدد الحرب بسبب الخطأ في الحسابات؟
أصيب العدو بنوع من النشوة، نشوة القتل ونشوة الغدر، عندما استطاع أن يقتل عددًا كبيرًا من القادة وعلى رأسهم سماحة الأيقونة التاريخية والعبد الصالح والولي الفالح سيد شهداء الأمة السيد الأقدس السيد حسن نصر الله والسيد الهاشمي رضوان الله عليهما والعديد من القادة. ولكن نحن لا نرتبط بأشخاص فقط رغم عظمة هؤلاء الأشخاص. في معركة أحد في زمن رسول الله عندما أشيع أن رسول الله ص قد قُتل، نعم البعض ضعفوا، لكن الثابتون المخلصون الموقنون بنصر الله وبالثبات وبأداء التكليف صاح أحدهم وهو من الصحابة الكرام: إن كان محمد قد قتل فرب محمد حي لا يموت… لذلك إن كان السيد حسن نصر الله قد قُتل فخطه ورجاله وفكره وثقافته وروحه وتربيته وجهاده على كل المستويات لن يموت ولن يذهب، بل سيصبح كل واحد منا حسن نصر الله بقدرته وباستطاعته وتبعا لقدراته ولقابليته. إن قتلوا السيد هاشم صفي الدين فكل واحد منا هاشم صفي الدين، لأن هذه المسيرة مسيرة لله تحمل حجية أخلاقية؛ مسيرة لا تحمل السلاح هواية بالسلاح، بل نحن ندافع عن أرضنا، عن وجودنا، عن ثقافتنا، عن حريتنا بوجه شذاذ الأفاق المدعومين من قوى الشر العالمية الذين أتوا وطردوا أهل البلاد الأصليين ويمارسون أبشع أنواع العنصرية والإبادة على مرأى ومسمع من البشر كل البشر في استهانة لكل القوانين الدولية وللضمير العالمي والبشري. إنها نشوة مؤقتة عند العدو، نؤكد له لماذا؟ لأن هدف العدو يتحقق بالقضاء علينا. طالما لم يقضِ علينا كل يوم يمر هو تعافٍ، كل يوم يمر هو شفاء وعودة لما كنا عليه وأقوى بإذن الله تعالى… غطرسته قد تجعله يخطئ في الحسابات، الغطرسة قد تودي به في الوادي السحيق. هذه سنن التاريخ، هذه سنن الله. من يستقرأها يجد أن ديد المجرمين والعتاة والمستكبرين أنهم عندما يستفحلون ويتغولون في إجرامهم يصلون إلى نوع من النشوة، ولكنها نشوة تعمي أبصارهم. وكما استشرف السيد حسن نصر الله أن نتنياهو ومن هم على شاكلة نتنياهو سيودون بكيانهم المصطنع والمؤقت إلى نفايات التاريخ لأنهم خلاف الإرادة الإنسانية، وخلاف الضمير الإنساني.
سماحة السيد نصر الله كان الأحرص على الوحدة الوطنية اللبنانية.. ولطالما تنازل عن حق المقاومة وبيئتها لضمان السلم الأهلي وتعزيز الروابط بين اللبنانيين.. هل تتخوفون من أن يكون غيابه سببًا لانزلاق البلاد إلى حرب أهلية؟ وهل اختلت التوازنات الداخلية فعلاً بعد العدوان الصهيوني الأخير على لبنان؟
ظن البعض بسبب ما قام به العدو الإسرائيلي بعد وقف إطلاق النار من عدم التزاماته وتحقيق بعض الإنجازات الميدانية التي عجز عنها خلال ستة وستين يومًا من الحرب الضروس، ظن هؤلاء وأمام عدم رد المقاومة بسبب التزامها بوقف إطلاق النار ظن البعض متوهمين أن المقاومة في حالة ضعف. لكن حضور الناس في الساحة، عودة الناس سريعًا إلى بلداتهم ومدنهم وقراهم حتى على الركام والدمار، وأيضًا التشييع الأسطوري للسيدين الأقدسين بما شكل استفتاء، ثم الانتخابات البلدية، لكن البعض لم يقرأها واستمر في محاولاته الموهومة والخطيرة في محاولة أن يقطف نتائج سياسية لم يستطعها في الحرب. لذلك ظن البعض أنهم قادرون أن يأخذوا قرارًا بالقضاء على المقاومة واستضعافها، فأخذوا قرارات خاصة من هم في السلطة بسبب الارتهان للخارج وخضوعهم للوصاية الخارجية بشكل كامل على حساب شعبهم وبما يخالف حق الشعوب في الدفاع عن نفسها، وهذا حق طبيعي لا يستطيع قرار أن يلغيه، خاصة أن الحكومة هي الوكيل للشعب الأصيل فلا تستطيع أن تخالف شروط الوكالة. فإذا عجزت أو تمنعت عن الدفاع عن الشعب، فالشعب يأخذ المبادرة ليدافع عن نفسه لأنه مصدر السلطات في الدستور اللبناني؛ هو العنصر الأول المشكل للدولة مع الأرض، ثم تأتي السلطة بعد ذلك. لذلك عندما تعجز السلطة أن تحمينا نحن مضطرون أن نتمسك بسلاح المقاومة. أمام القرارات المتهورة والانصياع الكامل للإرادة الغربية وللمجرم الأمريكي الذي يغطي المجرم الإسرائيلي، نعم دخلت البلاد في حالة من القلق والترقب. وحاولت الحكومة بشكل يشكل خطيئة أنها بدلاً من أن تكون كرة النار عند الإسرائيلي وعند العدو الذي لا يطبق القرارات الدولية ولا التزاماته خاصة في اتفاق وقف إطلاق النار، بالتالي نقلت بغباء كرة النار إلى الداخل اللبناني ورمتها أمام الجيش اللبناني. والجيش اللبناني قوته في توازنه، قوته في أنه يراعي كل مكونات الشعب اللبناني، واتخذت الحكومة قرارات غير ميثاقية بغياب وزراء المكون الشيعي الرئيسي، والدستور اللبناني ينص على أنه لا شرعية لأي سلطة تخالف سلطة العيش المشترك؛ بالتالي منزوعة الشرعية هذه القرارات، وهذا أمر خطير جدًا. لكن المقاومة أظهرت الاقتدار مع الحكمة، وكان خطاب سماحة الأمين العام الشيخ نعيم قاسم خطابًا قويًا وصادمًا صدمهم وأسقط أوهامهم، ثم حكمة وحنكة الرئيس بري، وأيضًا نظرة قيادة الجيش على أنها يجب أن تحافظ على جيشها ولن تدخل في صدام مع شعبها. فكانت قرارات الخامس من أيلول التي فيها نوع من نزول الحكومة عن الشجرة التي تصرفت بشكل مراهق سياسيًا. وهذا الأمر لا يعطي ثقة ولكن راحة للوضع، ونأمل أن يكونوا عادوا إلى رشدهم، إلى واقعيتهم، واعتبروا أن مصلحة الداخل أولى من مراعاة مصالح الخارج الذي لا يأبه إلا لمصالحه وهو منحاز إلى “إسرائيل” بشكل كامل. بالخلاصة المقاومة خيار الشعوب. نحن نرى أن “إسرائيل” لا تحترم لا قرارات دولية ولا قوانين دولية ولا تحترم الرأي العام العالمي والضمير العالمي؛ لا تأبه لكل ذلك، بل هي توزع صور المجازر في إهانة للضمير الإنساني وإهانة للنوع الإنساني. لذلك يبقى أمام الشعوب خيار المقاومة، خيار الصمود، خيار أبطال أهداف العدو. هذا الكيان المؤقت الذي لن يطول عمره وسيكون مصيره كمصير الفصل العنصري في جنوب أفريقيا عندما انتصرت الإرادة الإنسانية على العنصرية القاتلة والمجرمة والمتغولة. هذه سنن التاريخ أن الله يقف مع المظلومين، مع المستضعفين؛ وبالتالي هذا خيارنا وسننتصر بإذن الله مهما طال الزمن.