المفتي قبلان: أي محاولة لنزع سلاح المقاومة ستترك لبنان مكشوفاً أمام التهديدات الإقليمية

المقاومة قوة وطنية تحمي لبنان من أي اجتياح
اكد المفتي الجعفري الممتاز، الشيخ أحمد قبلان. أن الورقة الأميركية تهدف لنزع سلاح المقاومة وإضعاف قدرة لبنان على الدفاع عن نفسه.

مضيفا: أي محاولة لنزع سلاح المقاومة ستترك لبنان مكشوفاً أمام التهديدات الإقليمية.

وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: سحب السلاح دون حماية حقيقية يعني فتح الأبواب أمام المجازر. لم يعد هناك خطوط حمراء للهمجية الصهيوأميركية في المنطقة، بل أصبحت كل دولة معرضة في منطقة غرب آسيا لعدوان صهيوني، سيما أن الأطلسي بات يشارك العدو بوجه لبنان والمنطقة. وبالحديث عن لبنان والورقة الأميركية الانتهازية التي تبنتها حكومة لبنان، يقع الشرخ الكبير بين المقاومة وجمهورها وبين الطرف المقابل. فقد شكل دولة الرئيس نبيه بري، وسماحة الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم، صمام الأمان لهذا الوطن لكي لا ينزلق إلى حرب أهلية وفتنة داخلية تعمل على تأجيجها “إسرائيل”. والسؤال الكبير الذي يطرح: ماذا ينتظر لبنان؟ وإلى متى هذه الوحشية الصهيوأميركية؟

حول هذه العناوين وغيرها أجرت مراسلتنا، الأستاذة وردة سعد، حواراً صحفياً، مع سماحة المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، وجاء نص الحوار على النحو التالي:

فضيلة العلامة الشيخ أحمد قبلان تتصدون من موقعكم الديني لواقع سياسي متفجر في لبنان يتعلق بشؤون سياسية واستراتيجية..

هل تعتقدون أن ما يجري الحديث عنه من عناوين تخص المقاومة وسلاحها هو غطاء للنيل من الشيعة ودورهم ومكانتهم في التركيبة اللبنانية؟ أم أن الأمر يرتبط بأمن الجنوب ومواطنيه والبقاع والضاحية خصوصاً والدفاع عن لبنان؟

القضية بالبلد وطنية وسيادية بامتياز، لأنها تتعلق بأمن لبنان وسيادته الوطنية وقدرات دفاعه عن نفسه، ببعد النظر عن الطائفة والطوائف والطبيعة التركيبية للبنان، سوى أن الطائفة الشيعية حملت عبء لبنان وقضية تحرير أرضه وحماية سيادته بوجه الكيان الإسرائيلي منذ عقود (وما زالت كذلك) وبأكلاف وتضحيات لا سابق لها، لأن الأطلسي بات يشارك إسرائيل أي حرب كبيرة بوجه لبنان والمنطقة. وما يجري الحديث عنه بهذه الفترة عبارة عن ورقة أميركية انتهازية تتعلق بأمن الكيان الصهيوني وهدفها نزع سلاح المقاومة وتحويل لبنان إلى دولة بلا قوة، وسيادة بلا حصون، واستقلال بلا سلاح، وقوى عسكرية منزوعة السلاح (قوة بوليس فقط)، كل ذلك على حساب السيادة الوطنية وقدرة البلد على الدفاع عن نفسه. والغاية منها بلسان المبعوث الأميركي براك حماية أمن إسرائيل بخلفية تمكينها من أي اجتياح كامل للبنان ودون أي عائق.

ومن هذه الجهة فإن القضية وطنية بامتياز وكل البلد مطالب بتحقيق الدفاع الوطني ومراكمة القوة الدفاعية، ولكن الغريب اليوم أن فريقاً لبنانياً يلعب مع واشنطن دور دعم الورقة الأميركية التي تهدد أصل وجود لبنان وما يلزم لبقائه وبقاء سيادته، وهذا ما لا يمكن القبول به على الإطلاق، لأن القضية قضية بلد ووطن وسيادة وأسباب وجود وطني. والمشكلة هنا مشكلة لبنان لا مشكلة الجنوب والضاحية والبقاع، رغم الأثمان الوطنية الهائلة التي يقدّمها أهل الجنوب والضاحية والبقاع.

كما أن الخريطة الزرقاء التي حملها نتنياهو تطال صميم وجود لبنان وجملة من دول المنطقة، ما يعني أن القضية قضية وطن لا طائفة، وهذا ما لا يمكن السكوت عنه أبداً. والحل بالقوة الوطنية وتنمية أصولها، والمقاومة بهذا المجال مركز قوة لبنان السيادية وأساس بقائه وعنوان وجوده وحفظه. ولبنان قوي بمقاومته وجيشه وشعبه وتضحياته العنيدة، ولا شرعية لأي سلطة تتناقض مع ضرورات سيادة لبنان.

انتم فضيلتكم وبقية القادة والمسؤولين في هذه الطائفة تطرحون مسألة استراتيجية الأمن الوطني ومن ضمنها الاستراتيجية الدفاعية لحل اشكالية السلاح.. هل تعتقدون أن الدولة في لبنان قادرة على مثل هذه الخطوة؟ ومن هي الجهات التي قد تحول دون ذلك وتمنع قيام الدولة القادرة على حماية مواطنيها بقواها الذاتية؟

“القضية هنا قضية القوة الوطنية وقدراتها ومشروع تنظيمها وطبيعة تموضعها وجدوى توزيعها وتنويعها وتنمية أصولها وسرعة استعمالها بالدفاع السيادي الوطني، وهذا ما نعنيه بالسياسة الدفاعية الضرورية للبنان، وهو مطلبنا منذ اليوم الأول لانطلاق المقاومة. والمنطق الوطني الميثاقي يقول: طبيعة التهديدات الصهيونية ونوعها وحجم مخاطرها هو الذي يحدد أي استراتيجية دفاعية وأي قوة وقدرات وطنية وخيارات قيادية وتنويعية يحتاجها لبنان، بما في ذلك القوة المستورة للقتال “الردعي أو الدفاعي”، لأن “أي انكشاف سطحي للقوة الوطنية اللبنانية” أمام إسرائيل لن يبقي منها شيئاً، وهذا ما نطالب به للضرورة الوطنية الماسّة. والعين على إعداد سياسة دفاعية تلحظ السيطرة الجوية الصهيونية والقدرات الأطلسية الشريكة لإسرائيل، ما يضعنا أمام مشروع قوة وطنية متنوعة ومستورة ومتشاركة وذات تموضعات قادرة على تنفيذ سياسة الدفاع الوطني دون أي عائق.

والقضية هنا لبنان وسيادته وقدرة دفاعه وردعه الفعلية لا الشكلية، وإلا فإن التجارب السابقة على زمن المقاومة مخزية. والمقاومة بهذا المجال أثبتت منذ ما يقرب من خمسين سنة أنها سد منيع وقدرة وطنية غير مسبوقة، وذلك بسبب مهارات مقاتليها وترسانتها التي ما زالت تحمي لبنان. وما نعيشه الآن محاولة انتداب أميركي يريد لبنان مكشوفاً وبلا قوة لتحقيق المشروع الصهيوني في لبنان والمنطقة، وهذا لن يمر إن شاء الله، والفضل بذلك للتضحيات الوطنية التي قدمتها المقاومة بمجموع حروبها الوطنية، سيما الحرب الأخيرة التي انتهت بأكبر صمود أسطوري للمقاومة.

بعض اللبنانيين يرون أن الولايات المتحدة باتت تمسك بالعديد من الأوراق ومفاصل الدولة في لبنان.. وأنها تتعامل مع الشيعة على أساس أنهم خسروا الحرب!! هل تعتقدون أن هذا هو الواقع فعلاً؟ وكيف تقيمون علاقتكم كمرجعية دينية وعلاقة المكون الشيعي مع الولايات المتحدة؟

بكل ثقة وفخر أقول: لم تخسر المقاومة الحرب، بل حققت أكبر الانتصارات التاريخية وأهم صمود أسطوري استراتيجي. ومن يأخذ بعين الاعتبار حجم الترسانة الإسرائيلية الأطلسية غير المسبوقة وحجم الجيوش وحجم الدعم الأميركي الأطلسي لإسرائيل ومدى الشراكة المباشرة وحجم الانكشاف الداخلي، فضلاً عن موضوع البيجر والهجمة الجوية الإسرائيلية الأميركية الأطلسية غير المسبوقة بتاريخ 23 أيلول، يدرك حجم القوة غير المسبوقة التي تتمتع بها المقاومة.

وهنا يدرك خصوصية الانتصار الاستراتيجي الكبير للمقاومة، على أن ثمن هذا الانتصار كان كبيراً، لأن حماية الأهداف الوطنية الكبيرة يمر بتضحيات وأثمان كبيرة، والأثمان تُقاس بحجم الأهداف والوطنية والسيادية، وهذا ما حصل بهذه الحرب الأطلسية الإسرائيلية. وطبيعة نصر المقاومة هنا استراتيجي، لدرجة أن الشراكة الأميركية الأطلسية الإسرائيلية لم تستطع احتلال بلدة حدودية مثل عيتا الشعب أو الخيام، بل لم تستطع التثبيت بقرية أو مزرعة حدودية واحدة رغم الفترة الطويلة للحرب، بل رغم الحجم غير المسبوق للترسانة الإسرائيلية الأطلسية.

والمقايسة هنا بين ما باتت تمتلكه واشنطن من أوراق بالداخل اللبناني سهلة جداً أمام الخسارة الاستراتيجية للمشروع الأميركي بهذه الحرب. والآن نحن أمام حرب بأدوات مختلفة، وقدرات المقاومة وأوراقها كبيرة، وشعبها وأدواتها الضامنة بألف خير. ويكفي المقاومة فخراً أنها كسرت أخطر مشاريع واشنطن وتل أبيب ولندن، التي كانت تعتقد أنّها ستحتل العاصمة بيروت بظرف أسبوعين. واليوم هناك غارات دبلوماسية وسياسية أميركية وأطلسية وإقليمية للإنتقاص من نصر المقاومة الأسطوري، وليس للاستفادة من انتصارات إسرائيل. والمكون الشيعي جزء من مجتمع المقاومة اللبناني المناهض لمشاريع الاحتلال الأميركي. واللبنانيون عائلة وطنية، والعيش المشترك بخير، ونتائج الصمود الاستراتيجي الذي حققته المقاومة واضحة جداً على الأرض، وتلك من نعمة الله على الأوطان.

دولة الرئيس نبيه بري يطرح باستمرار الحوار بين اللبنانيين كمخرج لأي مأزق سياسي أو أمني، ويرى أنه السبيل الأمثل للحفاظ على وحدة البلد ومنع انهياره.. فهل ترون أن الحوار أنتج حلولا حقيقية لأزماتنا في المراحل السابقة؟ وهذا ما يشكك به طرف آخر في لبنان هو القوات اللبنانية كما تعلمون.. وإذا كنتم تثقون بأهمية الحوار فلماذا لا نجد مبادرات لذلك بين رؤساء العائلات الروحية في لبنان؟

إنما قام ويقوم لبنان بالحوار، ولا بد من الحوار اللبناني اللبناني، وقيمة الحوار هنا تكمن بالتلاقي الوطني ببعد النظر عن نتائجه. الرئيس نبيه بري بهذا المجال قامة تاريخية وقدوة وطنية، وهذا ما كان عليه الشهيد الأسمى سماحة السيد حسن نصر الله مع أخيه الأستاذ نبيه بري، وأكاد أقول: لا مشروع وطني أكثر تأثيراً وأوسع نقاشاً بالقضايا الوطنية والعناوين التصالحية والتضامنية ممَّا طرحه الرئيس نبيه بري وسماحة السيد حسن نصر الله، إلا أن اللعبة الدولية ما زالت تعيد إنتاج العرقلة الوطنية لمنع قيامة لبنان.

من خلال إلمامكم العميق بالكثير مما يدور في المنطقة والتطورات الدراماتيكية التي تحدث فيها على الصعيدين الأمني والسياسي.. ما الذي تقولونه لأبنائكم في الطائفة واللبنانيين وخصوصاً أهل الجنوب.. ما الذي ينتظرنا في المستقبل القريب؟ وما توقعاتكم على صعيد وقف العدوان وإعادة إعمار القرى المهدمة؟

أقول للبنانيين عامة وأهل الجنوب خاصة، لا أمن ولا أمان مع كيان صهيوني إرهابي، ولا ضامن بوجه إسرائيل إلا القوة الوطنية وترسانة المقاومة وإمكاناتها التصاعدية، وتلك ضمانة الجنوب ولبنان. واللحظة لقراءة مشهد المنطقة وسط مشروع أميركي يقسم المقسم بخلفية تعويض الفشل الاستراتيجي الكبير لمنطقة الشرق الأوسط، وهنا تكمن المخاطر، لأن طبيعة الأحداث الإقليمية غير ممسوكة، وواقع المنطقة غامض. والمشروع الأميركي خسر حرب الشرق الأوسط ويريد التعويض بالفتك والفوضى، فيما الصواريخ الإيرانية ابتلعت أخطر المشاريع الصهيوأميركية والأطلسية، واليوم طهران مركز قوة الممانعة والمقاومة الإقليمية، وإيران رابح استراتيجي وإسرائيل خاسر استراتيجي، فيما واشنطن تتخبّط فوق أرخبيل شرق أوسطي يبتلع أقدامها، ولبنان جزء من قوة المنطقة. والصمود الأسطوري للمقاومة لا سابق له ويجب استثماره لصالح بلدان المنطقة وسيادتها وتلاقيها، وحماية سوريا من اللعبة الإسرائيلية الأميركية ضرورة عليا لخط المنطقة الطويل، وصنعاء اليمن قوة أوسطية هائلة وأرضية إقليمية بغاية الأهمية لمشروع المنطقة وقدرات هياكلها الحاكمة.

والمقاومة في لبنان والوحدة الوطنية ضرورة وجودية وقيمة ضامنة للبلد وتركيبته التاريخية وشراكته الإقليمية، ولبنان وطن الجميع، والمقاومة والجيش اللبناني والصيغة الوطنية التضامنية ضرورة بقائية وسيادية للبنان، والسلطة التي تتعارض مع السيادة الوطنية والعيش المشترك لن تستطيع الحكم ولن يقبل اللبنانيون بخيانة التاريخ والتضحيات. والإسلام والمسيحية بمنطق الله “صوت العدالة واللقاء السماوي وباب على أكبر التجارب الوطنية والأخلاقية”، ولا بقاء للبنان بلا قوته الوطنية وقدراته الدفاعية، ولا أثمان أكبر من الأثمان التي قدمتها المقاومة. ونحن الآن بحالة تأهب وطني وقدرات المقاومة كبيرة، وجهوزيتها عالية، وحظوظ الحرب تنازلية، وإعادة الإعمار جزء من نقاش وطني سينتهي إن شاء الله بإعادة الإعمار أفضل ممّا كان. والشكر هنا لمجتمع المقاومة وتضحياتها وبيئتها وقيادتها، وللجمهورية الإسلامية التي شكلت وتشكل العمود الفقري الداعم لسيادة لبنان ومقاومته وقدراته السيادية وإمكاناته الإعمارية. والعين على شراكة عربية إسلامية تعيد إنتاج المنطقة وفق شراكة استراتيجية تكاملية بعيداً عن الوجود الأجنبي بالشرق الأوسط كله. والفشل الاستراتيجي لإسرائيل وأميركا يفتح المجال أمام شراكة عربية إسلامية تعيد إنتاج المنطقة من جديد.