الموت ليس فناءً بل ولادة ثانية… غياب في العين وحضور في الروح

 

| فاتنة علي |

 

الموت ليس فناءً بل ولادة ثانية… غياب في العين وحضور في الروح فمن صدق العهد لا يغيب.”

حيّ في الذاكرة… حاضر في الوجدان

 

عام على الغياب… لكنه بيننا حاضر أبدي

 

لم يكن الغياب نهاية، بل بداية حضور أعمق. عام مضى وما زال صوته يهتف في الضمائر، وصورته تتصدّر القلوب، وفكره يعبُر الأجيال. هكذا يصبح الإنسان فكرة لا تُمحى، ورسالة لا تموت، ودمًا يوقّع على عهد الحرية والكرامة.

أحياء ولكن لا تشعرون… هكذا قال ربّي. فكيف للغياب أن يغيّب من لا يموت؟ وكيف للموت أن يكون نهاية، وهو في جوهره عروج بعد هبوط، لقاء بعد فراق، وغربة مؤقتة لا أكثر؟

 

عام مضى على غيابك – لا على رحيلك، فمثلك لا يرحل – ونحن ما زلنا نراك حيّاً فينا، نحيا بذكراك وتنبض القلوب بندائك. منذ أيام والتحضيرات على قدم وساق لإحياء الذكرى الأولى لغيابك، فإذا بك حاضر في كل التفاصيل؛ في عيون الأطفال وقلوب الناس، في حجّهم إليك من كل المناطق والبلدان، في الفكر والمنهج والميراث الذي أورثته للأجيال الناشئة.

 

راقبنا مكان العروج فرأيناه منارة تهدي إلى برّ الأمان، ولمسنا في كل مشهد عمق الحضور رغم الغياب: من حجم الجموع إلى الدموع الممزوجة بالفخر، من الهتافات إلى الصمت الذي خنق العبارات وعجزت أمامه اللغات.

 

هنيئاً لنا بك يا ابن الجنوب الأبي؛ أيها العابر كسهم حقّ وعزّ، تخترق المناطق والديانات وتدخل الأممية من أوسع أبوابها، شامخاً، معلناً رفضك للظلم والخضوع والاستبداد والاستعباد. ماذا يقال فيك بعد أن عجز التعبير، وجمّدت المفردات العربية – رغم عظمتها – أمام هامتك؟ لقد ترك غيابك في داخل كل واحد منا أثراً منك، ووعداً لا ينكسر.

 

أما حقك علينا فهو عهد ووفاء؛ نحن ثابتون راسخون، سلاحك الأول، وأنت القيامة الآتية. لن نقول: يا ليتنا كنا معكم، لأننا معكم بالفعل، ولن نتخذ الليل جملاً، فقد قالوا إنه صُلِب ثم قام، وقال ربّي: “شُبّه لهم”. نحن سمعنا ولم نرَ، يا سيّد القلوب، وما زلنا ننتظر الخبر اليقين.

 

غبتَ نعم، لكن مثلك لا يموت. التاريخ شاهد أكبر على ذلك؛ رسول سلّم الرسالة وأدّى الأمانة ووقّع بحبر دمه. سيبقى حاضراً ما دام في الأرض أحرار، وما دامت هناك قلوب تنبض بالحق.

قد يغيب الجسد، لكن الرسالة تبقى، والدم الذي خُطّ به العهد لا يجفّ… فمن سار على درب الحق لا يموت.