| خضر رسلان | كاتب ومحلل سياسي
مرة أخرى، يطلّ علينا مشهد الازدواجية الفاضحة في التعامل مع الشعارات والهتافات في لبنان، وبشكل خاص ما حدث مؤخرًا مع جمهور نادي النجمة في ملعب المدينة الرياضية في بيروت. ففي الوقت الذي يُبرَّر فيه إطلاق شعارات مسيئة ضد المقاومة ورموزها، وضد إيران وبيئتها بأقبح الألفاظ والنعوت – من وصفهم بـ”الفرس” و”العملاء” وحتى الألفاظ النابية – بحجة حرية التعبير في بلد ديمقراطي، يُقابل التعبير العفوي لجمهور آخر بردود فعل اتهامية فورية بأنها موجهة ومسيّسة ومنظمة.
نحن أمام ازدواجية صارخة في المعايير: حين يطلق البعض شعارات مسيئة ضد المقاومة ورموزها، تُقدم هذه كحرية رأي طبيعية، ويُرفع شعار الديمقراطية، ولا تُطرح أسئلة حول الخلفيات السياسية أو التوجيهات الحزبية التي قد تقف وراءها. ولكن عندما يعبر جمهور آخر، بعفوية ، عن رفضه للوضع السياسي أو يدافع عن المقاومة، تتحول هذه التعبيرات فورًا إلى مؤامرات منظمة وتحركات حزبية مزعومة.
فما هو السر وراء هذا الاختلاف؟
وكيف نفسر هذه المشاعر التي عبر عنها عدد كبير من جمهور نادي النجمة، الذين استقبلوا رئيس الحكومة على مدرجات ملعب المدينة الرياضية بهتافات تعبر عن غضب حقيقي من المواقف الرسمية الضعيفة؟ هؤلاء الأشخاص ليسوا جزءًا من تنظيمات حزبية، بل هم مواطنون عاديون يتحركون من تلقاء أنفسهم، يعبرون عن غضبهم وألمهم من القتل اليومي والاعتداءات المستمرة التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني. هؤلاء يشاهدون بأمّ العين الطائرات تقصف الأراضي اللبنانية، ويرون دماء المدنيين تتساقط، بينما بعض المسؤولون في الدولة يلتزمون الصمت أو يطالبون بنزع سلاح المقاومة، أو يساوون بين المعتدي وصاحب الأرض!
هذا الغضب وهذه الهتافات هي نبض حقيقي لأناس يريدون التعبير عن همومهم وطموحاتهم بعفوية، بعيدًا عن أي مؤامرات حزبية أو توجيهات سياسية. هي صرخة شعب يشعر بأن صوته مفقود أمام صمت المسؤولين ويضعون تحته العديد من علامات الاستفهام
جمهور نادي النجمة وغيره من الجماهير ليسوا “جيشًا” منظّمًا أو أدوات حزبية، بل هم شريحة من المجتمع اللبناني تعبّر عن نفسها بحرية ودون توجه من احد، وتسعى لتكون جزءًا من المشهد الوطني من دون قيود حزبية أو تنظيمية..
كفى ازدواجية!
إذا كانت حرية التعبير مكفولة للجميع، فلتكن بلا استثناءات، لا يجوز أن تُمنح الحرية لفئة على حساب أخرى، ولا أن تُسكت أصوات من يرفضون المساواة بين المحتل وصاحب الأرض.
لبنان بلد الحريات، نعم. لكن الحرية لا تعني السماح لشريحة واحدة بشتم رموز وطنية، في حين يُمنع على أخرى التعبير عن وجعها وهمومها. الحرية يجب أن تكون متساوية وشاملة، وإلا فهي حرية مزيفة.