ذاك المساء الذي صار تاريخاً: من مكاتبنا إلى فصول العشق الأخيرة

*رواية النبأ العظيم / الحجة رنا الساحلي*

 

كل لحظة كانت تؤكد ان الأحداث تتدحرج ككرة من النار. الحرب الوحشية على المدنيين اكثر ما كان يؤلمه.

 

لم يكن يوماً عادياً.. اتصالات، متابعات، غارات، في كثير من الأماكن

 

*انه اليوم ٢٧ من ايلول ٢٠٢٤* كانت الساعة تشير إلى السادسة تقريبا وحده ضوء غرفتي قاد الحاج محمد نحوها… تفاجأ بي لا زلت هنا..

* قلت نعم يا حاج اتابع ما يحصل على شاشة التلفاز واستخدم الهاتف الأسود … بعدين يا حاج ومن باب المزاح قلت له شو بقعد مع النسوان والأولاد بالبيت!!؟؟.. ابتسم ويده قرب حزامه تلك الحركة المعتادة لديه، معك حق النسوان قعدت بالبيوت بينما الرجال ها هم امامي في المكتب يتابعون…

يالله اتكلي ع الله عندك مشوار والدنيا بلشت تعتم… حسنا القليل من الوقت سأذهب بانتظار احد ما قادم….

 

لملمت بعض الحاجيات ولم أكن ادري انها *اللحظات الاخيرة* التي سأكون فيها بمكتبي ولن اعود اليه الا بأجنحة قد استأصلتها الحرب وبغبار ملأ اروقة المكان ليشهد ان الاماكن بأرواحها وافكارها لا بأشيائها الصامتة فقط.

 

انها الساعة تقريبا *السادسة والعشرون دقيقة* كانت السيارة التي تقلني تشق الطرقات المتعرجة نحو الجبل وحدها هزات متتالية مرعبة تشعرك ان زلزالا تحت قدميك او ربما انت تقبع على فوهة بركان تهز كل مافيك…

*الله اكبر بهذه الكلمات نطقت*… *راح السيد يا زهراء!!! لا شو هالحكي اوعي تقولي هيك…*

*هيدي الضربة ما ممكن تكون الا للسيد*

 

لم اكن أدرك حجم الاطنان لكن الصوت والشعور الحسي يدرك ان الضربة تفوق الخيال هي ضربة تكاد توازي الكون وكأن كوكباً ارتطم بالقمر.

 

*حاولت التواصل مع صديق دربه الحاج محمد* كانت الخطوط تنقطع ..

 

* فجاة اتصل بي وقال شو عندك!!!؟ قلت له شو يا حاج ليكون الكبير… تقطعت الاحرف من حنجرته وكأن السماء تقطر دمعاً حزيناً… الله يستر انا مش مرتاح….

 

هنا بت أكثر ارتباكاً… يا الله اغلقت الدنيا بوجهي كيف افكر الان وماذا افعل!!! انهالت الاتصالات من كل حدب وصوب لبنان والعالم كله يسال ما الذي حصل وهل فعلا هو سيد الامة!!؟

 

لم يكن الليل ساكناً بل اتصالات يخرقها عطر البارود المنتشر في الضاحية ولم يخمد سحاب الدخان وكأنه ينذر ان *النبأ عظيم.*

 

سيد الحب والحرب ملك القلوب والساحات الرجل الامة الذي ارعب الاسرائيلي وهز كيانه تبحث عنه العيون صوتاً وعطراً وشوقاً…

لم تنم العيون تلك الليلة تنتظر خبراً… لا احد يريد ان يصدق….

 

*أدركنا انه هناك*… لكن هل يمكن للغيم ان يحمل بشرى؟؟؟ هل يمكن للشمس ان تتحول قمراً.!!؟ هل يمكن للارض ان تصبح جمراً!!؟

 

*انها الساعة الثالثة فجراً* لا زال الهاتف يبكي بين اناملي منتظراً الخبر.. وجدت الحاج محمد مستيقظاً سألته بكلمتين أنت امان؟؟؟

رد عليي وكأن الاطنان نزلت على قلبه لشو الامان؟ الموت أهون… عشر ساعات ولا خبر…

نتمنى ولكننا على يقين ان ارواحنا باتت تخنق ما تبقى منا … غصة تخترق عنق الحاج محمد أدركت من صوته ان كل الآمال باتت هباء..

ربما كانت ارض عاشوراء تُستحضر امامنا السنا على الحق اذا لا نبالي…

 

*اتصل الحاج محمد تجهزي فالنبأ العظيم* قد اقبل ربما لم يستطع ان ينطقها كما هي… فقط كلمة *(راح)* ….

نعم راح ذاك الامان الذي كنا نتظلل به… راح ذاك الحب الذي يحضننا برموش عينيه… ذاك الذي رفع الراية كرمى لاطفال فلسطين وساند المستضعفين والانسان

باتت كل الخلايا مبعثرة انبكي انفسنا ام نرثي حالنا وقائد المسيرة قد ارتحل…. طير الجنوب قد اسرع في قافلة ايلول… من سيقود بحار العشق بعده؟؟!

 

* تجهزي… سارسل لك البيان لكن انتظري الاشارة..

اه لو توقف الزمن يا حاج محمد ليتنا استطعنا ان نضعه في عيوننا ان يكون في قلوبنا ان نسرق المزيد من الأوقات لنشبع من كلماته… قل غيرها يا حاج محمد….

حشرجات حنجرته تشعر ان روحه باتت تواقة للحاقه باستعجال وكأن الزمن كان يلاحق شوق الارواح.

 

انه العبد الصالح قد ارتقى وسارع الى لقاء ربه… لحظات بعد ان *ارسل البيان* وكأن الدنيا قد انقلبت… وكأن العالم بات في زلزال حقيقي صرخات تكبيرات نواح وعويل… يا سيد لم نكن ندري ان حبك مزروع في ذاكرتنا الموجعة لم نكن ندري ان عشقك وصال لم نكن ندري ان ارواحنا باتت هرمة امام هول الخبر.

يا سيد لم نكن ندري ان حياتنا دونك باتت مظلمة وان لا معنى للحياة دون سيدها… بعدك يا سيد لا طعم للحياة.

 

هنا أدركت ان الحب ليس امرأة ورجل بل حب قضية وانسانية حب اخلاص ودروب نضال… هنا ابتدأت آخر فصول حب لتلاقي الارواح…