سوريا بين الحقيقة والوهم: هل نحن أمام أزمة نظام أم أزمة أمة؟

 

بقلم: ✍️| فاتنة علي |  لبنان

 

أزمة النظام أم أزمة الأنظمة العربية؟

 

قد يكون النظام فاسداً أو مخطئاً، وقد تتخلله ثغرات كبيرة، لكن السؤال الأوسع الذي يفرض نفسه هو:

هل الفساد سمة النظام السوري وحده، أم أننا أمام أزمة نظام عربي شامل تمتد من المحيط إلى الخليج؟

 

فإذا كان النظام السوري فاسداً كما يُقال، فماذا عن فساد الممالك الممتدة من المغرب إلى الخليج؟

وماذا عن الجمهوريات التي تنفذ أوامر المحتل وتُقصى من المشهد رغم موقعها الجغرافي الذي يؤهلها لأن تكون قوة إقليمية فاعلة؟

 

إن ما جرى في المنطقة لم يكن يوماً مسألة “إصلاحات” ولا ما سُمي “ثورات”، بل مشروعاً ممنهجاً لإسقاط أنظمة واستبدالها بأخرى أكثر خضوعاً وخنوعاً للغرب.

فهل يهم أمريكا أو الغرب أن ينعم المواطن العربي بالديمقراطية والحرية والازدهار؟

لو كان الأمر كذلك، لما كانت دول “الديمقراطية” المزعومة نفسها تدعم أنظمة القمع والفساد بالسلاح والمال والسياسة.

سوريا… الجغرافيا التي لا تخطئها الأطماع

 

منذ اندلاع الأحداث، قسّمت سوريا العالم إلى معسكرين متقابلين: أحدهما مؤيد بشدة، والآخر معارض بشدة.

في البداية، كان بين المعارضين من يسعى فعلاً إلى نهضة البلد، كما كان بين المؤيدين من يدرك تماماً خطورة الاستبدال دون بديل وطني حقيقي.

 

لكن سرعان ما تكشفت الحقائق: الهدف لم يكن خلاص الشعب السوري، بل تفكيك الدولة السورية وخدمة إسرائيل أولاً وأخيراً.

فسوريا بموقعها الاستراتيجي تمثل عقدة توازن في المنطقة، تربط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب، وتملك قيمة سياسية واقتصادية لا يمكن تجاهلها.

ولهذا لم يكن أحد – لا من العرب ولا من الغرب – يسعى فعلاً لإنقاذها.

ليلة سقوط دمشق… أم ليلة تسليمها؟

 

رحل الأسد، لكن تفاصيل رحيله ما زالت غامضة.

هل اعتُقل؟ هل انسحب؟ هل خُذل؟ أم اختار الرحيل؟

كلها روايات، لكن المؤكد أنه رحل دون أن يوقّع، دون أن يهادن، ودون أن يصافح.

 

رحل وهو يدفع ثمن أربعة عشر عاماً من الحصار والضغوط والإقصاء، تاركاً وراءه دولة متعبة نعم، لكنها موحدة،

فيها تعليم مجاني، وصمود شعبي رغم الألم، واستقلال نسبي في القرار قلّ نظيره في المنطقة.

 

ربما أخطأ النظام، وربما وقع في فخ العروبة والمقايضات الكبرى بين الأمن القومي الروسي والهيمنة الأمريكية،

لكن المؤكد أن اللعبة كانت أمريكية الطابع، والضريبة دفعها السوريون بألمهم ودمهم وتعبهم.

فلسطين بعد دمشق… الطريق الذي انكسر

 

ما إن سقط النظام في دمشق حتى بدأت مرحلة جديدة من الحصار طالت حركات المقاومة الفلسطينية تحديداً.

اختفت بعض القيادات، واعتُقل بعضها، وما زال مصير الكثيرين مجهولاً حتى اليوم.

 

تم إقرار معاملة الفلسطيني في سوريا كالأجنبي بعد أن كان من أهل البلد وصاحب مكانة واحترام.

أُغلقت مكاتب حماس والجهاد الإسلامي، وتوقف الطريق إلى القدس عند حدود دمشق وريفها،

في مشهدٍ يعكس حجم التبدّل في الأولويات تحت وطأة الإملاءات الإسرائيلية والغربية.

 

 

 

لعبة الأمم على حساب الشعوب

 

ليست المشكلة في نظامٍ دون آخر، بل في منظومة عربية كاملة تم تصميمها لتبقى رهينة الخارج.

تُستبدل الوجوه وتبقى القواعد ذاتها: التبعية، الصراع الداخلي، والرهان على رضا الغرب.

 

لم تكن “الثورات” يوماً لتحرير الشعوب، بل لإعادة رسم الخريطة وفق مصالح القوى الكبرى.

وفي النهاية، بقي الشعب العربي – والسوري منه خصوصاً – يدفع الثمن وحده، بين مطرقة الأنظمة وسندان التدخلات.

 

 

 

ما بين الخراب والأمل

 

قد تتغير الأنظمة، وقد تُرفع الشعارات، لكن الحقيقة تبقى واحدة:

لم تكن معركة العرب يوماً مع أنظمتهم فقط، بل مع منظومةٍ كاملةٍ صُممت لتبقيهم في دائرة الضعف والتبعية.

 

ومع ذلك، لا يمكن للخراب أن يكون قدراً أبدياً.

فالأوطان التي تُرهقها المؤامرات وتُنهكها الحروب، تبقى قادرة على النهوض، لأن في شعوبها جذوراً لا تموت،

وفي ذاكرتها دروساً تُورثها الأجيال لتتعلم أن الوعي هو السلاح الأصدق، والسيادة لا تُستجدى، بل تُصنع.

 

وسوريا، وإن أُنهكت، ستبقى البوابة التي تختبر صدق العروبة ووعي الأمة.

وما بين الخراب والأمل، ستظل هناك قلوب تؤمن أن الطريق إلى القدس لا يُغلق،

وأن الحق وإن حوصِر… لا يموت.