عن أي سلام تتحدث يا فخامة الرئيس؟

| المستشار قاسم حدرج |

 

انطلاقا من العنوان الذي تم اختياره لزيارة قداسة البابا (طوبى لصانعي السلام ) فقد توقعنا ان تكون كلمة الرئيس عبارة عن استعراض شامل للحرب العدوانية التي يشنها الأسرائيلي على بلدنا وأحتلاله جزأ من ارضنا وانتهاكه اليومي لسيادتنا لحد استهداف عاصمتنا وبأن تكون خاتمة الرسالة بأن يوضع لبنان الرسالة أمانة بين يدي قداسته راجيا اياه ان يطلق نداءا رسوليا عالميا للضغط على الجلاد لكف عدوانه عن الضحية ولكن المفاجأة ان كلمة الرئيس أمام قداسته أعادتنا اكثر من نصف قرن الى الوراء وأتت أشبه بعرض يجريه مرشد سياحي أمام مجموعة حضرت بغرض السياحة الدينية في أوائل السبعينات فحضرت في كلمته المزارات وغابت الغارات وذكرت القديسين وغاب عنها ذكر المعتدين وأستعرضت لوحة لبنان الجمال وأخفت الجزأ المدمر نتيجة الأحتلال

كلمة بعيدة كل البعد عن الواقع رسمت صورة من الخيال فعن أي سلام تتحدث يا فخامة الرئيس وأنت لم تأت على ذكر الحرب والعدوان والتهديد اليومي بتمزيق رسالة لبنان وتحويله الى مستعمرة تابعة للكيان .

انتظرت قليلا وقلت ربما أن جان عزيز بأسلوبه الصحفي الفريد الذي يفاجأنا مع كل كلمة بشيء جديد يريد ان يرفع من منسوب الأثارة فيعرض في الجزأ الأول من الكلمة قيمة لبنان التاريخية والحضارية والدينية وفي الجزأ الأخير يحذر من المخاطر التي تحيط به ويطالب الكرسي الباباوي أن يشمله بحصانته الدينية

ولكن خاب ظني فأذا كانت البداية كحل فأن الختام كان العمى بوصف لبنان بأنه الأرض التي جمعت ابناء ابراهيم في اشارة الى اتفاقيات الأستسلام الأبراهامية

وكأن عزيز على لسان الرئيس يقول بأن لبنان لم يعد طائر بجناحين اسلامي ومسيحي بل اصبح طائرة مسيرة بثلاث محركات تحركها غرفة عمليات اميركية صهيونية خليجية وبأنه بوجود اليهود على الحدود وضمهم اجزاء من وطننا لبناء مستوطنات اصبحوا جزأ من تركيبة الشعب اللبناني وبأن علينا الرضوخ لهذا الواقع بل وتكريسه بأتفاقية استسلام .

لقدارتكبت خطيئة يا فخامة الرئيس بهذه العبارة فأولا ان لبنان الذي قصدته لم يجمع أبناء ابراهيم بل جمع أبناء يعقوب الذين ألقوا اخاهم في البئر ومن ثم باعوه بثمن بخس كما انك تنتهج سياسة معاكسة لنهج أبراهيم (ع) فهو لم يواجه اعداء الله بالدبلوماسية والخطب الانشائية وقوة المنطق ولم يستسلم لموازين القوى ويقول ان الله قادر على الدفاع عن دينه فليقاتل عبدة الأصنام بالملائكة بل كان استشهاديا بمواجهة الباطل فعقد عزمه وحمل فأسه وأنطلق للمواجهة محطما اصنامهم متحديا

بالمنطق بعد استخدام القوة ولكنه كان يواجه عقولا متحجرة كالأصنام التي يعبدونها وعندما هددوه بالحرق لم يقدم لهم التنازلات ولا دعاهم الى طاولة المفاوضات بل واجههم بكل ثبات مكرسا معادلة أن معركة الحق لا تستوي الا بتقديم التضحيات وهنا كتبت له النجاة فأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

ابراهيم لم يكن لديه جيش جرار ولكنه واجه النمرود متسلحا بقوة الحق لا بقوة المنطق وبعد ان تعرض لأقسى أختبار بأن طلب الله منه ان يذبح ولده فأمتثل دون نقاش مع ان هذا الطلب قد لا يبدو متوافقا مع المنطق ولكنه كان اختبارا للطاعة العمياء التي يجب ان يتحلى بها الأنبياء وهذا على نقيض الأدعياء الذين تريد ان تفاوضهم فهؤلاء حملوا الفؤوس لقطع رؤوس الأبرياء وأحرقوا البيوت والخيام

وذبحوا الألاف من احفاد اسماعيل مقابل هيكلهم الحجري المزعوم .

اما ابناء ابراهيم الحقيقيين فهم المقاومين الذين حملوا فأسهم وأروا العدو بأسهم وقدموا ابناءهم أضاحي امتثالا لأوامر الله وعندما ألقي بهم في النار اطفأوها بأجسادهم كي لا تمتد الى شركائهم في الوطن مع ان بعض هؤلاء جمعوا للعدو الحطب وتدفأوا على حرارة اللهب وسارعوا الى قطع كل مصادر المياه فقد أتتهم الفرصة على طبق من ذهب ليحظوا بعدد أكبر من كراسي الخشب فيكونوا نوابا للشيطان يعملون عنده خدم غب الطلب.

لا يا فخامة الرئيس لا تركن الى مستشاري السؤ وضع رأسك في كتب التاريخ وخذ العبرة فقد مات النمرود صاحب جبل الذهب ببعوضة وبقيت فأس ابراهيم أيقونة للمقاومين وغرق فرعون وهدمت صروحه وبقيت عصا موسى رمزا لمواجهة الطغاة وانهار الهيكل فوق رأس كهنته وتجاره ودفنت معهم كنوز الذهب وكتب الخلود لخشبة المسيح وتاج شوكه ليكونوا منارة للأحرار ترسم لهم المسار بأن طريق الحق هو طريق الجلجلة وبأن الحرية لا تنال الا بالفداء ونحن يا فخامة الرئيس تعلمنا من الأمام الحسين سليل كل هؤلاء الانبياء أن نكون أبناء الرجاء وأن السبيل الى القيامة والانتصار على الموت لا يكون الا بتقديم أطهر الدماء ويكفي أننا قدمنا في سبيل كرامة هذا الوطن اغلى قرابيننا سماحة سيد شهداء الأمة فلا يا فخامة الرئيس لايغرنك صمتنا وخفوت صوتنا فالعاصفة يسبقها سكون فكن لنا كهارون ظهيرا ولا تكن كأبن نوح فتظن خاطئا بأن الجبل الاميركي سيعصمك من الطوفان فسفينتنا وحدها التي ستوصل لبنان الى بر الأمان.