| د. جمال شهاب المحسن | الإعلامي والباحث في علم الإجتماع السياسي
خلال الحرب الإسرائيلية العدوانية على لبنان في تموز- آب عام 2006 و مباشرةً بعد الضربة الجوية المعادية التي إستهدفت قناة المنار في الضاحية الجنوبية لبيروت إتصل القائد العام للمقاومة الشهيد الأسمى سماحة السيد حسن نصرالله رضوان الله عليه بمستشاره الإعلامي الذي كان يشغل أيضاً مديراً للأخبار والبرامج السياسية يقود المعركة الإعلامية من داخل القناة الشهيد الحاج محمد عفيف الذي كان بين الأنقاض فسأله عن حاله فأجابه بالتعبير القرآني : كزُبَر الحديد يا سيّدَنا والحمد لله رب العالمين .
وعبارة “كزُبَر الحديد” وردت في القرآن الكريم في سورة الكهف بمعنى كتل الحديد الصلبة .. وأحياناً تُستخدم العبارة مجازياً في الشعر أو الخطاب الأدبي لوصف شيء شديد الصلابة، أو كناية عن القوة والشدة، كأن تقول:
“كان صبره كزُبَر الحديد”
أي: صبر شديد وقوي.
فعلاً لقد كان الشهيد البطل شديد القوة والبأس في كفاحه الطويل منذ بدايات المقاومة الإسلامية في لبنان وهو من الجيل المؤسس والمقرّب جداً من القائمين الشهيدين السيديْن عباس الموسوي وحسن نصر الله قدس الله سرهما الشريف وحتى استشهاده لأن المقاومة عنده عقيدة وجهاد وتضحية وفداء وعمل وعطاء بلا حدود ووفاء وتجسيد للمبادئ بالأفعال .
وفي استعادة لنص كتبه الشهيد الحاج محمد عفيف في جريدة السفير اللبنانية بتاريخ 14 ديسمبر عام 2000، عن مظلومية المقاومة ورجالها المضحّين وقال فيه :
“كانت صورة المقاومة الاسلامية في لبنان، الخفية في بداية الثمانينيات، والتي تتعرض لامتحان قاسٍ في جديتها، وفي جدواها، وفي هويتها أواخر الثمانينيات، وبداية التسعينيات، قد بدأت تكشف وجهها الحقيقي تدريجاً، بذلك الكم الهائل من الإرادة، والتضحيات، وإرث عاشوراء، وانكسارات الحقبة الماضية وانتصاراتها، وبضعة آلاف من الشهداء والجرحى والأسرى، والوفاء الصادق لتراث رائع وجميل وحزين.
خلال ذلك، لم تحظَ هذه المقاومة، وما تزال، من محيطها الطبيعي، بعمل فني، يواكبها، إلا ما ندر، لا بلوحة ولا بقصيدة ولا مقطوعة نثرية، بل كان حظها على الأغلب الجفاء في وسط المثقفين إن لم يكن أحياناً التندر المشوب بالحسد، وأضافت النزاعات المحلية إلى ذلك الكثير من الكراهية والتباعد، وعندما أثار أحمد بزون في صحيفة “السفير” ذات يوم بعد الانتصار مسؤولية المثقفين عن المقاومة والسبيل الى إنصافها والاعتراف بالتقصير عن هذا الإهمال المتعمد، ووجه بالانتقاد، وبرر العامل الفني التغييب المسيّس، ثم ما لبث أن طوي هذا السجال الضروري سريعاً “…
في هذا النص القديم، كأنك يا شهيدنا البطل الحاج محمد عفيف تعبر عن حاضرنا في هذه الأيام التي تكثر فيه الطعنات من الداخل والخارج .
وتحت عنوان : هنيئاً لك يا شهيدنا الكبير الحاج محمد عفيف النابلسي هذه الشهادة العظمى، كنتُ قد كتبتُ النص التالي :
بلغةِ الحُبِّ والحنين وحرارةِ الشوْق خاطَبَ القائد الإعلامي الكبير والمقاوم الشجاع الشهيد الحاج محمد عفيف قائدَهُ الشهيد العظيم سماحة السيد حسن نصرالله رضوان الله عليهما في كلمةٍ له بمناسبة يوم الشهيد في مجمّع سيد الشهداء (ع) وبين رُكام الغدر الصهيوني الأميركي في ضاحية بيروت الجنوبية الشَّموس قائلاً :
وبعدُ يا سيّدي ويا روحي خَجِلٌ أنْ أقفَ تحت منبركَ ولا أسمعُ صوتَكَ، وعذراً طويلاً فإنَّ حزنَنا مؤجّلٌ ولو أنَّ القلوبَ ضاقت في الصدور، فسلامٌ عليك، وعلى صَفِيِّك السيد هاشم، وعلى الشهداء بين يديْك.
هنيئاً لك يا شهيدنا الكبير إبن العلاّمة الشيخ عفيف النابلسي المرجع الاسلامي الكبير هذه الشهادة العظمى التي ارتحلتَ فيها إلى جوار ربّك الأعظم سبحانه وتعالى مع خيرةٍ من إخوانِك المقاومين الشهداء الأبطال : الحاج محمود إبراهيم الشرقاوي ،الحاج موسى حيدر ، هلال ترمس وحسين رمضان، في غارةٍ صهيونيةٍ إجراميةٍ إرهابيةٍ وعدوانية ، لتلتحقَ بركب سيٍد شهداء الأمة وسيد الشهداء على طريق القدس الشهيد الأسمى والأقدس سماحة السيد حسن نصرالله قدَّس اللهُ سِرّه الشريف .
كنتَ يا شهيدنا الحبيب المحب والأحَبّ على قلبي طالباً للشهادة .. وها قد نِلتَها عن جدارةٍ واستحقاق… فهنيئاً لك أيها الإستشهادي الكربلائي الحُسيْني هذا السُّمُو والوسام الرفيع وهذه المرتبة العُليا .. لقد فُزتَ وربّ الكعبة .. وألف ألف مبروك لأنك الآن في أحضان والدكَ سماحة العلاّمة الشيخ عفيف النابلسي رحمكما الله الرحمن الرحيم وأسكنكما فسيح جنانه في أعلى عِليين .
وممّا يجب التركيز عليه هو أنَّ جينات الصلابة النادرة التي كان يتمتّع بها الشهيد القائد الحاج محمد عفيف هي نفسها جينات سماحة المرجع الاسلامي الكبير والفقيه والشاعر والأديب العلامة الشيخ عفيف النابلسي قدّس سره ، يُضاف إليها إيمانه الراسخ وتجربته الكفاحية الغنية .. ويكفيه فخراً أنه كان المستشار الإعلامي للشهيد العظيم السيد حسن نصرالله .
حاج محمد : نَمْ قريرَ العين فإنَّ أهلك ومحِبيك مصمّمون على متابعة نهج الحق والطريق والمقاومة .. ولن ننساك .. وألف تحية وسلام لروحك الطاهرة النقية .