استقلالنا بتحرير أرضنا وأسرانا

شوقي عواضة

 

 

يحتفل اللّبنانيّون غداً بعيد الاستقلال الذي انتُزع بعد صراعٍ ومواجهاتٍ مع الاحتلال الفرنسي ورجال المقاومة اللّبنانيّة امتدّ منذ العام 1918 إلى العام 1948 بعد فرض قرار الاستقلال والسّيادة بفضل تضحيات وصمود المقاومين. وبالرّغم من تباهي اللبنانيّين وإجماعهم على هذه المناسبة الوطنيّة التي حرّرتهم من الاحتلال الفرنسي لكنّها لم تحرّر البعض منهم من العنصريّة القاتلة والطّائفيّة البغيضة والتّحرّر من التبعيّة حتى لفرنسا التي لا تزال تمثّل للبعض الأمّ الحنون ولأميركا التي كانت ولا تزال شريكة العدوان على غزّة ولبنان بل يعتبرون أنّ أميركا قدراً حتميّاً لا يمكن مواجهته بينما هي في الواقع ليست إلّا إمبراطوريّة الديكتاتوريات والإرهاب. بل ويرون في الكيان الصّهيوني المؤقّت ما يتلاقى مع طموحاتهم ومشارعيهم وأضغاث أحلامهم من مشاريع ومؤامرات على مكوّن أساسيّ ورئيسيّ في لبنان بينما في الواقع هي تستهدف لبنان كلّه.

اليوم ومع الاحتفال في هذه المناسبة الوطنيّة التي غيّب عنها من خطّوا صفحات عزّها وصنعوا مجد لبنان من المقاومين أمثال الشّهيد القائد أدهم خنجر وصادق الحمزة الفاعور والشّهيد سعيد فخر الدين، كما يغيّب في التاريخ المعاصر للبنان الحافل بإنجازات المقاومين والشّرفاء وتضحيات الشّعب ضمن عمليّة تزويرٍ تاريخيّ كبير كان ولا يزال مستمراً. وما نشهده اليوم هو أكبر وأخطر عمليّة احتلال في التاريخ تتجلّى بالاحتلال المسبق للعقول والنّفوس وتغييب القضايا الوطنيّة كليّاً من دوائر الاهتمام السّياسي والدّيبلوماسي وفق خطّة عملٍ ممنهجةٍ وأجندات أميركيّةٍ إسرائيليّةٍ يتبناها أولئك البعض وفقاً لما يلي:

1 ـ التّواطؤ مع العدوّ الاسرائيلي وتبنّي عملياته العدوانيّة والدّعوة إلى استكمال العدوان على المقاومة وبيئتها من قبل بعض (السّياديين) وهو تحريض ومشاركة في العدوان على لبنان وشعبه.

2 ـ التّحريض على نزع عناصر القوّة في لبنان ومنها سلاح المقاومة والتّحريض على قائد الجيش نتيجة مواقفه الوطنيّة.

3 ـ تبنّي بعض وسائل الإعلام لسياسة العدوّ الإسرائيلي السّياسيّة والإعلاميّة في محاولةٍ لممارسة المزيد من الضّغط على لبنان لتقديم المزيد من التنازلات.

4 ـ تغييب قضية استمرار العدوان بعد عمليّة وقف إطلاق النار بل وتأييدها من البعض وتغييب قضية الأسرى والمعتقلين اللّبنانيين في سجون العدوّ الاسرائيلي.

على مدى سنوات المواجهة مع العدو الاسرائيلي منذ نشوئه حتى اليوم لم يسجّل التّاريخ ولو لمرّة واحدة تحرير أيّة قطعة أرض لبنانيّة بالقرارات الدوليّة ولم يُحرَّر أسير واحد بفضل الجهود الديبلوماسيّة، وعمليّات تحرير الجنوب في منتصف الثّمانينات وعام 2000 اكبر شاهد على أنّ العدوّ لا يفهم سوى لغة القوّة، ولا تستطيع أيّة قوّة في العالم مهما بلغت من الأمم المتحدة إلى كلّ المنظّمات الدوليّة أن تجبر هذا العدوّ على الانسحاب مهزوماً مذلولاً أو على تحرير الأسرى، سوى المقاومة وعمليّات التبادل التي شهدناها خلال سنوات المواجهة وأثبتت صوابيّة وفعاليّة المقاومة وخيارها في حماية لبنان.

واليوم في ذكرى عيد الاستقلال يغيب ملف الأسرى عن المشهد السّياسي رغم توفّر بعض الفرص، وإهدارها وإضاعة فرص ذهبيّة للإفراج عن الأسرى والمعتقلين بعد أن أقدمت الدولة اللبنانيّة على الإفراج عن الأسير الاسرائيلي هوشع تارتكوفسكي (42 عاماً)، وهو يهوديّ إسرائيليّ من القدس ومن الحريديم ويحمل الجنسيّة الأميركيّة حيث اعتقل في الضاحية الجنوبيّة لبيروت بشبهة التجسّس بعد دخوله لبنان كصحافيّ استقصائيّ في كانون الأول من العام الماضي وتمّ الإفراج عنه ونقله إلى واشنطن معزّزاً مكرّماً، وفي حين يقبع عشرون أسيراً ومعتقلاً لبنانيّاً تمّ إطلاق سراح الصّهيوني دون أيّ شرط ودون ايّ مقابل ودون حتى طرح قضية المعتقلين والأسرى على الطّاولة بناء على التعليمات التي وجّهها ترامب تمّ الإفراج عنه دون قيد أو شرط، لتتكرّر العمليّة الثانية بالإفراج عن الإسرائيلي صالح أبو حسين من قرية الرّمانة شمال فلسطين المحتلّة الذي اعتقل في تموز من العام الماضي وتمّ الإفراج عنه.

اليوم وفي عيد الاستقلال نذكر بأنّه لا استقلال دون تحرير أراضينا ولا سيادة دون تحرير أسرانا ومعتقلينا الذين هم جنود هذا الوطن وصانعو مجده وشهداؤه الأحياء الذين سطّروا بتضحياتهم صفحات عزّ وإباء من تاريخ لبنان…