| شوقي عواضة | إعلامي وكاتب سياسي
لم يغب عن الضاحية التي أحبّ، ولم تردعه طائرات العدو ولا مُسيّراته وتهديداته له بالتحديد عن مواصلة المعركة. وهو الحاضر على الجبهة الإعلامية كما كان في البدايات حاضراً على الثغور. لم يكن الشهيد القائد محمد عفيف إعلامياً وحسب، بل كان مقاتلاً يمتشق هامة الوطن ويعتلي أنقاض الضاحية على أصوات المُسيّرات التي لم تغب عن الضاحية بل عن كلّ لبنان.
في يوم الشهيد التقيته منهَكاً ومتعَباً ومرهَقاً وفي خطواته بأس الثابتين وعهد المنتصرين. أعادَني المشهد الى منتصف الثمانينيات حيث التقيته على أحد الثغور عابقاً بالعزم والإصرار يوزع بسماته كالورود على الرفاق. لم أكن أعلم بأنّ يوم الشهيد هو يوم اللقاء الأخير الذي أعلن فيه بيان السيادة الذي كان يصوغه رجال الله في الميدان في معركة “أولي البأس”.
في زمن الردة اعتلى محمد عفيف منبر العزة في ضاحية العنفوان إعلامياً ومقاتلاً ومعلّماً وعميداً للإعلام المقاوم. لم تكن كلماته ومصطلحاته كباقي الكلمات وإلا لما أقدم العدو على اغتياله، وهو القائد الذي أتقن إدارة المعركة وهزم سرديات العدو الإسرائيلي وواجهها بالحقائق في زمن الصهينة والتهويد والتطبيع، فحوّل ساحة الإعلام الى ميدان، وكان صانع رواية البأس والعزيمة والانتصار.
في لحظة تاريخيّة حاسمة صاغ محمد عفيف بيان السيادة الأخير بدمه وعنفوانه ومهره بعشق سيد المقاومة الشهيد الأسمى السيد حسن نصر الله، والسيد الهاشمي الشهيد السيد هاشم صفي الدين، فحوّل المنبر الى ثغر من ثغور المجاهدين ومتراساً للدفاع عن الوطن ليتلو كلماته الأخيرة دون وداع.
وكانت وصاياه أنّ حزب الله أمة والأمة لا تموت، وأنّ رواية النصر لا تخطّ بغير الدماء، وأنّ الشهادة ولادة، وأنّ من يخاف الكلمة لا يملكها ولا يملك قراراً ولا سيادة ولا استقلالاً، وكانت كلمته الأخيرة التي أصابت هدفها في معقل رأس الإرهاب والفاشية نتنياهو، فكانت تسابق المُسيّرة التي استهدفت غرفة نومه بل وأصابته في مقتل، مردّداً مقولة سيدنا الشهيد الأسمى “بيننا الأيام والليالي والميدان”، و”أن أيدي مجاهدينا ستنال منك”.
لقد أسّس عميد الإعلام المقاوم لمدرسة جديدة في الإعلام مُعلناً ولادة جيل جديد من الإعلاميين المقاومين الذين يحملون المقاومة رسالة وأمانة صاغت ركائزها دماء الشهداء وجراحات الجرحى وعذابات الأسرى وتضحيات المجتمع المقاوم.
اليوم في ذكرى المؤتمر الصحافي الأخير لعميد الإعلام المقاوم الشهيد القائد محمد عفيف نعاهده على المضي على نهج المقاومة وقراءة التجربة بتمعّن وتطوير آليات العمل وأدواته ووضع المعركة الإعلامية في أولوياتنا تنفيذاً لوصيّته. فقد تتوقف أصوات المدافع وتحليق الطائرات وقد تسكت الجبهات لكن الجبهة الوحيدة التي تبقى في مواجهة مستمرة ودائمة هي جبهة الإعلام وبالأخص على مستوى الإعلام المقاوم الذي لا يقلّ أهمية في مواجهة العدو عن أي جبهة أخرى.