حزب الله: عند كلّ شهادةٍ ولادةٍ

| شوقي عواضة |

 

واهمٌ من يظنّ أنّ استهداف قيادات المقاومة وحركات التّحرّر في العالم بالاغتيال ينهي وجودها بل على العكس تماماً، وقد شهدنا عبر التّاريخ أنّه في لحظة الاغتيال السّياسيّ التي طالت قيادات مقاومين وأحراراً وشرفاء في العالم كانت تتحوّل إلى لحظة تزداد فيها حركات المقاومة توقداً وثباتاً وإصراراً وولادةً لمرحلةٍ جديدةٍ تعمّد فيها دماء الشّهداء فكرة المقاومة وتؤصّلها وتعبّد طريق تحرير الأوطان وتخطّ صفحات عزّ الأمة وتصوغ بيانات تحريرها من رجس الاحتلال… والشّواهد على ذلك كثيرة من لومومبا، وسجون الأبارتهايد إلى أزقّة غزّة وبغداد وبيروت، إلى تشي غيفارا وستيف بيكو في جنوب أفريقيا… إلى اغتيال أنطون سعاده في هذا الشرق، واغتيال شيخ شهداء المقاومة الإسلاميّة الشّيخ راغب حرب ومروراً باغتيال الشّهداء القادة السّيد عباس الموسوي والحاج عماد مغنية وقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وإسماعيل هنية وفتحي الشقاقي، والرئيس صالح الصماد في اليمن، والسّيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين وصولاً إلى اغتيال القائد هيثم الطبطبائي… كلّ تلك العمليات لم تشكّل سوى مرحلة ولادة جديدة أعطت زخماً أكبر وثورية أعمق وصلابة أكثر في التمسّك بالمقاومة ونهجها.

قد يتوهّم العدوّ الإسرائيلي وشريكه الأميركي بأنّه انتصر باغتياله لأيّ قائد من قيادات المقاومة، فالاغتيالات التي نفّذها العدوّ الاسرائيلي بحقّ قيادات المقاومة لم تزِل تهديد المقاومة له ولم تصنع معادلاتٍ جديدةً ولم تحمِ مستوطنيه ولا جنوده من ضربات المقاومين، لأنّها لم تكن إلا اعترافاً علنيّاً وعمليّاً بعجز الكيان الإرهابيّ عن هزيمة المقاومة التي رسّخ فكرتها وعمّق جذورها في وجدان الشّعوب نتيجة أعماله الإرهابيّة الغادرة.

وفي هذا الصّدد اعترف المحلّل الصّهيوني للشّؤون العربيّة في قناة i24NEWS تسفيكا يحزكالي ـ محلّل صهيوني للشّؤون العربيّة أيّ عن أهميّة عملية اغتيال الطبطبائي الذي كان هدفاً قبل عشرين عاماً للأميركيين قبل الإسرائيليّين، وبعد حرب لبنان الثّانية، وخصوصاً عندما كان قائد قوّة الرّضوان التي ستقتحم الجليل حتى بعد اغتيال السيد نصر الله وعملية البيجر المذهلة، فإنّ حزب الله عاد إلى قوّته وهو يقوم بترميم ذراعه العسكري، هذا ما تحاول “إسرائيل” منعه في عملية الاغتيال هذه، لكن ذلك لن يمنع حزب الله من إعادة التّسلّح وحتى اغتيال شخصيّة مثل أبو على الطبطبائي لن توقف هذه العمليّة. في حين أعلنت إذاعة جيش العدوّ الاسرائيليّ بعد عملية الاغتيال أول أمس أنّ (الجيش الاسرائيلي) قرّر تعزيز ورفع حالة التّأهّب بشكلٍ كبيرٍ في منظومة الدّفاع الجويّ في الشّمال، مشيرة إلى أنّه وفقاً لتقديرات يقدّر (الجيش الاسرائيلي) أنّهم أمام عدّة خياراتٍ لردّ حزب الله وفقاً لتقديراتهم كما يلي:

1 ـ إطلاق وابلٍ من الصّواريخ على عمق البلاد.

2 ـ محاولة تسلّل إلى داخل (الكيان) أو إلى مواقع قوات جيش الاحتلال في جنوب لبنان.

3 ـ تحريك الحوثيّين لخطّةٍ عملياتيّة ضدّ “إسرائيل” نظراً لقرب الطبطبائي من الحوثيّين.

4 ـ محاولة الحوثيّين الرّدّ على عمليّة الاغتيال.

إضافة الى تلك التقديرات لا بدّ من الإشارة إلى فتح الملاجئ في المستوطنات على الحدود مع لبنان بسبب التّوتر إثر عملية اغتيال الطبطبائي وفقاً لللإعلام العبريّ الذي تحدّث أيضاً عن موقف رئيس الأركان في جيش العدو إيال زامير الذي تابع عن كثب حالة التأهّب والتّوتر على الحدود مع لبنان والمناورات على جبهة سورية،

في حين أفاد أوريا كيشت مراسل القناة نيوز 24 الصّهيونية أنّه في الجبهة الداخلية صدرت التّعليمات للسّكان بأنّ المعركة المقبلة ليست بعيدة والسّكان في الشّمال يدركون في نهاية المطاف بأنّه من أجل ضمان سلامتهم يجب القيام بأمرٍ كبيرٍ في ظلّ تعزيز حزب الله لقوّته وهذا أمر يهدّدهم وإذا نظرنا للامر من الجانب المدني، فهذا حدثٌ معقدٌ جداً حيث نرى أصحاب المصالح الذين نتحدّث إليهم في الأسابيع الأخيرة، فالشّمال لم يعد بعد إلى وضعه الطّبيعي منذ نهاية الحرب والسّكان الذين يحاولون فتح المنتجعات والمطاعم عندما يسمعون ما يحدث يشعرون بالحرب وهذا ينعكس على مصالحهم حيث تلغى الحجوزات في الشمال، ومن يريد فتح مصالح وشركات جديدة يرون أنّهم قد يغلقون مصالحهم بعد شهر او شهرين، لذا يفضلون عدم القيام بذلك.

كلّ تلك المواقف والتّصريحات الصّادرة عن الإعلام العبريّ ومسؤولين في جيش العدوّ تؤكّد على حقيقةٍ تاريخيّةٍ تتكرّر معنا اليوم وهي الحقيقة المرّة والأليمة التي أدركها وأقرّ بها العدوّ الاسرائيليّ وشريكه الأميركي مع إنكار صهاينة الداخل وأبواقه لتلك الحقيقة في لبنان، والتي تقول إنّه بعد عامين من العدوان على لبنان لا تزال المقاومة تشكّل التهديد الأكبر لكيان العدوّ الإسرائيليّ الذي عجز عن إنهائه وباعترافه، وأنّ استمرار العدوان وعمليات الاغتيال لم ولن تغيّر من واقع العدو المأزوم ولا من واقع مستوطنيه في الشّمال والأهمّ من كلّ ذلك أنّ عمليات الاغتيال التي جرّبها العدوّ سابقاً ولا يزال ماضياً في ممارستها لن تزيد المقاومة إلّا بأساً وعزماً وثباتاً.

وعلى القاعدة التي سنّها شهيدنا الأسمى السيد حسن نصر الله عندما قال: ‏عندما ننتصر ننتصر وعندما نستشهد ننتصر…