خيارات الدولة والمقاومة.. بين الدعم الدولي وحصرية السلاح

 

أ.د.فرح موسى:رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية.

جاء الخطاب الرسمي والشعبي في عيد الجيش،متفقًا مع الروحية اللبنانية الجامعة والمجتمعة على الحب والتضحية والفداء.فالكل يريد للجيش أن يكون حاميًا لشعبه ودولته،لكن ما لم يلتفت إليه الكثيرون من سياسيين وإعلاميين ومأجورين،هو أن الجيش لكي يتمكن من القيام بدوره يحتاج إلى مؤسسة دولة لها سياسات واضحة ترسم لكل القوى الأمنية ملامح التحولات المصيرية في منطقة يراد لها أن تكون جديدة في خرائطها الجيوسياسية،وتحولاتها الجيوستراتيجية،وقد جاء الخطاب من فخامة رئيس البلاد،متضمنًا للدعوة إلى التزام خيار الدولة،حرصًا على الدولة،أو ما تبقى منها!دعوةٌ صريحة وواضحة إلى التخلي عن السلاح والانخراط في مشروع الدولة على أمل أن تكون لذلك مفاعيله في استجابة دول العالم لما تحتاج إليه الدولة من دعم وإعمار،وقبل ذلك من تحرير واستقلال وسيادة!وكم هو مفيد تذكير قادة البلاد وكل المعنيين والحالمين بالدعم الدولي بما قاله الإمام موسى الصدر في رسالته إلى مجلس النواب اللبناني بتاريخ ٤كانون الأول عام ١٩٦٩،يقول الإمام:”لقد كان الجنوب منذ تأسيس معسكر العدو بشكل دولة إسرائيل،منطقة قلق،وذلك لوجود الأطماع التاريخية والعسكرية،والاقتصادية التي ظهرت للجميع،وهذا ما جعل أبناء الجنوب غير قادرين على تحمّل الأعباء وحدهم دون مشاركة مواطنيهم في مختلف المناطق اللبنانية ودون رعاية رسمية خاصة…”.فهذا الخطاب الذي مر عليه أكثر من نصف قرن من الزمن،نلاحظ أن الأحداث والتجارب لم تتجاوزه،بل هي تتلبس به وكأنه يصدر اليوم،لجهة ما نعايشه من أحداث واحتلال وعدوان على لبنان،فأهل الجنوب كانوا دائمًا على طموح أن تكون لهم دولة وجيش وشعب لبناني ناصر ومعين لهم في محنة التصدي للعدو،إلا أن شيئًا من ذلك لم يتحقق،وكانت المقاومة هي الخيار الوحيد في زمن التخلي الدولي عن لبنان والدعم المطلق للعدو في عدوانيته على لبنان وكل الدول العربية،فما بالنا اليوم نعود إلى الكرّة ذاتها،فنختار الدعم الدولي،والقرارات الأممية،لتكون لنا دولة وسيادة وتحرير رغم كل ما أفادته التجارب في صدقية خيار المقاومة،فهل التخلي عن السلاح في ظل انعدام الضمانات يُبقي على الدولة حتى ترفع عقيرة بعض السياسيين والمأجورين بالدعوة إلى حصرية السلاح والبلاد تتعرّض يوميًا للعدوان؟وكيف يمكن لشعب لبنان،ولأبناء الجنوب خصوصًا،تصديق مزاعم هؤلاء،وهم يعلمون جيدًا بما يطمح إليه العدو من تهجير واحتلال للمزيد من الأرض اللبنانية؟فإذا كنتم اليوم تتعرضون لضغوط خارجية للتنازل عما تبقى لديكم من عوامل القوة،فلماذا تتحمّلون المسؤولية للقيام بشؤون الناس وتدبيرهم ورعاية مصالحهم؟فالمسؤول الذي يستجيب لضغوط الخارج للتخلي عن مكامن قوته،ويخاف من عقوبات على مصالحه الخاصة،لا يمكنه تخريخ القضايا على النحو الذي يخدم مصلحة بقائه في السلطة!فأبناء الجنوب،كانوا ولا يزالون هم المقاومة،فإذا لم يكن مسموحًا للدولة القيام بحمايتهم وإعمار قراهم،فكيف يطلب منهم التخلي عن سلاحهم،وهم يعلمون أنه بذلك تنزع أرواحهم!؟يا لها من دولة !وقد يصح قول الرئاسة فيها ،ما تبقى من دولة،!فهي مشغولة اليوم بحصرية السلاح بأمل أن تحظى بالدعم الدولي!ومَن من اللبنانيين يجهل ما يعنيه الدعم الدولي من شروط ومطالب تبدأ بحماية إسرائيل،وتنتهي بالتطبيع معها،فهل الدولة تريد ذلك؟ وإذا كانت الضمانات معدومة في ظل ما يمارسه العدو من عدوانية،فما هي الجدوى من انشغالكم ببنود حصرية السلاح؟وهنا نعود للتذكير بما أضافه الإمام الصدر في رسالته:”لا يمكن حل مشكلة الجنوب بالعواطف،بينما أهله يقفون على خطوط النار،ويشعرون أن أرواحهم وحياتهم وكرامتهم ومستقبل أبنائهم معرضة للاعتداء وللتجاوز في كل آن…إن هذا ظلم واضح،وتبغيض خطير،إنه الاستسلام للقضاء،والموت بالأقساط…”.فلنتأمل بكلام الإمام؛لنرى كيف استوعب الإمام مراحل الزمن،ليؤكد على خيار المقاومة،وعلى ضرورة أن يكون كل الشعب اللبناني ناصرًا لأهل الجنوب في صمودهم ومقاومتهم،لا أن يخرج البعض ممن لم يأنسوا يومًا بالوطنية والمواطنة،ليدعو إلى التطبيع مع العدو تسليمًا بالهزيمة ،وقناعةً منه بالعمالة للخارج ضد أبناء وطنه!؟فالإمام يقول للشعب اللبناني عبر ممثليه في المجلس النيابي قبل ما يزيد عن الخمسين عاماً:”إن لبنان دون منطقة الجنوب أسطورة،ولبنان مع جنوب ضعيف،جسم مشلول،ولبنان من دون قوة الجنوب،مغامرة تاريخية.إن الجنوب القوي هو سياج لبنان والعرب والحق،ومصلحة عميقة لكل إنسان في الشرق…ويختم الإمام كلامه بالقول:”أدوا الأمانة والسلام…”،وهنا نسأل،هل من الأمانة أن تنزع قوة الجنوب،وأن يحصر السلاح عن أهله.؟لقد أجاب الإمام في مفهوم كلامه ومنطوقه على مزاعم القوم المجرمين:لا تغامروا بمصير لبنان،لتكونوا في مهب الرياح الدولية والصهيونية.والسلام.تاريخ:٣/٨/٢٠٢٥.