| ناصر قنديل |
يتصرف حزب القوات اللبنانية منذ ما بعد إعادة تشكيل السلطة إثر الحرب الاسرائيلية على لبنان، بصفته الحزب الحاكم، ويفعل مثله بدرجة اقل حزب الكتائب وبعض نواب التغيير، بالنسبة والتناسب مع الأحجام، وذلك لا يحدث لأن هؤلاء كانوا وراء تسمية العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية وقد انتخبه أغلبهم رغما عنه، ولا كانوا وراء تسمية الرئيس نواف سلام لرئاسة الحكومة وقد كانوا يصطفون وراء تسمية النائب فؤاد مخزومي قبل أن يستبدلوه بقرار خارجي باسم الرئيس نواف سلام، وهم يتصرفون كحزب حاكم لأنهم يرون أن السلطة الجديدة أنتجت في كنف رعاية دولية اقليمية يعتقدون أنهم أصحاب حظوة فيها أكثر من الرئيسين، ويعتبرون أن المناخ الذي فتح الطريق لإعادة تكوين السلطة بهذا الشكل كان نتاج الحرب الاسرائيلية التي لا يخفي اغلبهم انه يتمنى ان تعود وتكمل ما فشلت في تحقيقه في الحرب السابقة، ونواب هذا الفريق وقادته يجاهرون في ترداد تمنياتهم علنا.
يركز الحزب الحاكم في خطابه السياسي طوال ما بعد الحرب على فشل المقاومة، ويبني على ذلك استنتاجه الفوري بالدعوة لقبول معادلة قوامها الحل التفاوضي، لكنه يتهرب من الاجابة على السؤال الذي طرحه النائب السابق وليد جنبلاط، وهو “هل سوف تنسحب اسرائيل من أرضنا؟”، والسؤال هو هل ان التفاوض طريق موثوق لاستعادة الأرض، أم أن التفاوض هو طريق لتسليم أرضنا للاحتلال شرعيا على الطريقة السورية بالدعوة للتفاوض على تثبيت خط فض الاشتباك دون أي أمل ببحث استعادة الجولان المحتل، وهنا وجب القول أن جماعة الحزب الحاكم ليست عذراء في هذا النوع من التجارب، فقد سبق واختبرت خيارها التفاوضي مع الاحتلال عامي 1982 و1983، وكانت النتيجة ما يصفه الرئيس امين الجميل في كتاب يومياته الرئاسية بالخبث الإسرائيلي والهروب الأميركي، والإصرار على تكرار ذات التجربة للحصول على ذات نتائج يفتقد للبراءة، وبالمقارنة مع تجربة المقاومة يكفي القول إن المقاومة حررت في العام 2000 دون تفاوض، ودون تنازلات عن السيادة كما تضمن اتفاق 17 أيار، ثم حمت وبنت معادلة دفاع عاشت 17 عاما، وفرت خلالها لجنوب لبنان ولكل لبنان أمنا لم يعرفه منذ ولادة كيان الاحتلال على أرض فلسطين، والإخلاص للمصلحة الوطنية يستدعي الاقرار بانه كما أن المقاومة لا تملك اليوم حلا فوريا للاحتلال فإن التفاوض ليس حلا سحريا.
لا يبدو الحديث عن خيار التفاوض هدف الحزب الحاكم، بل هو تأدية فاتورة لصاحب الرعاية الخارجي مقابل الحصول على ثمن داخلي، والثمن هو السطو على رئاسة مجلس النواب، ولذلك لا يخفي الحزب الحاكم أن كل نقاشه حول قانون الانتخابات النيابية ينطلق من حسابات النجاح بإحداث اختراق ولو بنائب شيعي واحد، ولو اقتضى الأمر التضحية بنائبين من طوائف أخرى، والرهان على صناعة أغلبية نيابية تتيح ترشيح هذا النائب بمعزل عن مؤهلاته وشعبيته ومقبوليته في طائفته، للمجيء به رئيسا لمجلس النواب، لأنهم يعتقدون أن ازاحة عقبة اسمها نبيه بري من أمامهم تضمن لهم تمهيد الطريق لمواصلة الانقلاب لامساك الحكم، حيث إطاحة رئيس الجمهورية الفقرة الثانية على جدول الأعمال، كما تفيد ما اسماها رئيس الجمهورية عملية بخ السم في الخارج، والمقصود ما يقوم به الحزب الحاكم في الكواليس الأميركية للتحريض على رئيس الجمهورية.
بالحديث عن الرئيس نبيه بري يجب التذكير بحقيقة اولى قوامها ان بري انتصر على ذات الحزب الحاكم عام 1983، ولم يكن معه نائب شيعي واحد فالمعركة ضد اتفاق 17 أيار التي خاضها مع النائب السابق وليد جنبلاط والرئيس الراحل سليمان فرنجية والرئيس الشهيد رشيد كرامي، وقف معها في مجلس النواب نائب سني هو زاهر الخطيب ونائب مسيحي هو نجاح واكيم، وكان في مواجهته يومها رئيس جمهورية كامل الصلاحيات بنسخة ما قبل اتفاق الطائف، ورئيسي مجلس النواب والحكومة والنواب والحكومة، وجيش أعاد الأميركيون بناءه على مقاس سياساتهم، وقوات المارينز و معها ملحقات فرنسية وايطالية، وكان الاحتلال لا يزال على أبواب بيروت، فلا تضيعوا البوصلة و تخطئوا القراءة مرة أخرى.
الحقيقة الثانية عن الرئيس نبيه بري أنه بمقدار ما هو رجل دولة، فهو لم يكن مرة رجلا لدولة يدين لها بالولاء غير لبنان، وفي ذروة علاقته الطيبة بسورية وعلاقته الممتازة مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، كان صاحب رأي مستقل وقرار مستقل، ويشهد على ذلك كل من عايشوا تلك المرحلة ويعرفون تفاصيلها، وغالبا ما كان تميزه في إطار هذه العلاقة، و كانت خلافاته مع القيادة السورية تدور حول الموقف من مكون لبناني، كان بري يدعو لإدارة العلاقات معه بروح الأخوة رغم الخلاف العميق في الموقف، وقد كان للعلاقة بالرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس سعد الحريري والعلاقة مع سيد بكركي مرات كثيرة نصيب من ذلك، وكان يرى أن موقفه مصلحة وطنية لبنانية ومصلحة مخلصة لسورية، وربما يكون بين قلائل امتلكوا شجاعة ممارسة الصداقة مع سورية بلغة الحرص والمصالحة والمصلحة الوطنية، بمعزل عن التبعات التي كانت احيانا قاسية وظالمة.
الحقيقة الثالثة ان الرئيس نبيه بري في ذروة انتصاراته، رفض بقوة أي استقواء على مكون لبناني سواء بقوته الذاتية او بقوة حليفه الخارجي، رغم كل اغراءات ما كان يعرض عليه، وهو رفض مشروع صفقة ثنائية شيعية مسيحية على حساب السنة والدروز، عرضها الفرنسيون وباركها آخرون مع منصب نائب رئيس يتقاسم صلاحيات الرئاسة مع رئيس الجمهورية مناصفة، ورفض السير اعتمادا على التصويت لتحقيق حلمه بإلغاء الطائفية، لانها برأيه كانت سوف تصبح طائفية أخرى اشد بغضا، لا يفتخر بأن يكون عرابها، ويفضل البقاء تحت ظلم الطائفية كلبناني متنور، حتى تنضج الغالبية الطائفية للسير بإلغاء الطائفية.
ربما تكون احدى فضائل وليد جنبلاط أنه قرأ وفهم نبيه بري أكثر من سواه، واحدى فضائل بري انه فهم جنبلاط أكثر من سواه، والذين يعرفون نبيه بري لا يخشون عليه، بل يخافون من اقدام الذين يستهدفون بري على المخاطرة بلبنان املا ان ينال بري بعض الأذى.