حين يتلاقى إرث الثورة الجزائرية مع جرح غزة… العالم يترقّب الموقف

| خضر رسلان | كاتب وإعلامي لبناني

 

في لحظة دولية دقيقة وحسّاسة، يعود مجلس الأمن ليضع غزة مجددًا في قلب التجاذبات السياسية عبر مشروع قرار أميركي يعيد إنتاج الاحتلال بوجوه ومسميات جديدة. ورغم ما يحمله المشروع من لغة دبلوماسية مموّهة عن “مرحلة انتقالية” و“ترتيبات أمنية”، إلا أنّ الهدف الفعلي يكمن في إعادة فرض الوصاية على القطاع، وتجاوز الإرادة الوطنية الفلسطينية، وإبعاد الشعب الفلسطيني عن حقه الطبيعي في تقرير مصيره.

 

هنا، وفي قلب هذه اللحظة، يتوجّه النظر الدولي والعربي إلى الجزائر. ليس لأنها عضو فاعل داخل المنظومة الدولية فحسب، بل لأن تاريخها التحرّري ذاته يجعل موقفها اليوم ذا رمزية مضاعفة. فبلد المليون ونصف المليون شهيد، الذي قدّم أعظم ملحمة تحرّرية عرفها القرن العشرون، يجد نفسه أمام اختبار يضع إرث ثورته في مواجهة مشروع يعيد الاحتلال إلى غزة بطرق ملتفة.

 

المشروع الأميركي المطروح لا ينطلق من معالجة حقيقية لجذور الأزمة، بل من محاولة “إدارة” الواقع تحت سقف الاحتلال. فالترتيبات المقترحة تتجاهل أن غزة جزء من الأرض الفلسطينية المحتلة، وأن الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق في إدارة أرضه، وصياغة نظامه السياسي، ورسم مستقبله بعيدًا عن التدخّلات الخارجية.

 

ما يقترحه المشروع هو عمليًا إعادة هيكلة الاحتلال عبر إدخال أطراف دولية تُمنح سلطة فوق السلطة الفلسطينية، بما يعني مصادرة السيادة وفرض واقع سياسي جديد لا يُلزم الاحتلال بأي ثمن، بل يعفيه من مسؤولياته ويعيد تثبيت حضوره بصورة غير مباشرة.

 

إنّ أي مقاربة جدية للأزمة في غزة والمنطقة يجب أن تبدأ بالاعتراف بأن الاحتلال هو السبب الأساسي لانعدام الاستقرار. فلا حصار دام أكثر من 17 عامًا، ولا حروب مدمّرة متكررة، ولا جرائم يومية تُرتكب بحق المدنيين يمكن فصلها عن الاحتلال الإسرائيلي وسياساته العدوانية.

 

لذلك، فإن الطريق الحقيقي نحو الاستقرار لا يمرّ عبر هندسة ترتيبات فوقية تُكتب في العواصم، بل عبر معالجة جذور الصراع:

 

إنهاء الاحتلال

 

رفع الحصار

 

وتمكين الفلسطينيين من حقوقهم الوطنية والسياسية كاملة

 

 

لا من خلال “هيئات انتقالية” تُفرض على الشعب، بل من خلال الاعتراف بحقه الكامل والطبيعي في السيادة.

 

لطالما مثّلت الجزائر صوتًا صارمًا في الدفاع عن فلسطين داخل المحافل الدولية، مستندة إلى تاريخها الثوري وإيمانها العميق بحق الشعوب في الحرية. واليوم، يقف العالم على عتبة لحظة جديدة يتقاطع فيها إرث الثورة الجزائرية مع جرح غزة النازف.

 

إنّ تصويت الجزائر ضد المشروع الأميركي لن يكون مجرّد خطوة دبلوماسية، بل إعلان سياسي وأخلاقي يقول بوضوح إنّ الشعوب التي ذاقت مرارة الاستعمار لا تقبل أن يُفرض على غيرها ما قاومته هي لعقود طويلة. ولذلك، يترقّب العالم الموقف الجزائري، بوصفه موقفًا قادرًا على إعادة وصل السياسة بالأخلاق، والمبادئ بالتاريخ، والذاكرة بالنضال.