-بقلم أبوعلي الخيامي-
في لحظةٍ كانت فيها المنطقة على شفير الهاوية، بدتْ الحرب الإسرائيلية-الإيرانية وكأنَّها تسير نحوَ تصعيدٍ لا رجعة فيه. لكن كما في كثير من الحروبِ التي تُخاض في الشرق الأوسط، تأتي “التخريجة” السياسية كخاتمة محسوبة، تَحفظٌ ماءَ وجه الأطراف وتُعيدُ ترتيب الأوراق دون إعلان الهزيمة الصريحة لأيّ جهة.
غير أنّ واقع الميدان لا يكذب. فَعلى الرغم من حجْمِ الاستنزاف والخسائر، خرجتْ إيران من هذه المواجهة بتوازنٍ إستراتيجيٍّ جديدٍ لمْ يكنْ متاحًا قبل اندلاع الحرب.
لقد تمكَّنت من فرضِ معادلات ردع جديدة، وأثبتتْ أنها لاعب إقليمي لا يمكن تجاوزه أو تحجيمه بسهولة، رغم كلّ ما خططت له واشنطن وتل أبيب.
تخريجة الحرب، التي بدتْ للوهلة الأولى وكأنها “تسوية متوازنة”، كانتْ في جوْهرِها إقرارًا بنجاح إيران في الصمود، وفي نقْلِ المعركةِ إلى قلب الجبهات المعادية، سياسيّاً وعسكريّاً وأمنيّا. فالمعادلة التي سعَتْ إسرائيل لتكريسِها سقطتْ، وأثبتت المقاومة المدعومة من طهران أنَّ أيّ عدوان لنْ يمرّ من دون ردّ، وأن مرحلة الضربات من طرف واحد قد انتهت.
الإنتصار الإيراني في هذه الحرب لا يعْني نهاية الصراع، لكنّه يُعيد تشكيله من موقع قوّة.
وها هي العواصم الغربية، التي راهنت على إسقاط إيران أو إخضاعِها، تعودُ للحديثِ عن الحوارِ والدبلوماسيّة بعد أنْ اصْطدمت بجدارِ الإرادة الإيرانية الصلبة.
في ميزان الجغرافيا السياسيَّة، ما بعد الحرب ليس كما قبلها، وإيران، برغْمِ الجراح، خرجتْ أكثر حضورًا، وأكثر قدرةً على التأثيرِ في مستقبلِ المنطقة.
في الختام، على الدول العربيَّة أن تقرأ جيدًا ما حدث. فهذه الحرب كشفت حقيقة التوازنات، وأثبتَتْ أنَّ الرهان على الحماية الأجنبيّة أو على سقوط محور المقاو/مة لم يعُدْ مُجْديًا. المطلوب اليوم هو مراجعة شجاعة للمواقف، والبحث عن صيغ للتكامل الإقليمي بدل التبعيَّة، لأنَّ استقرار المنطقة لا يمكن أن يتحقق إلا بتضامن شعوبها، لا بتغذية الانقسامات التي لا تخدم سوى العدوّ المشترك. فالحرب لم تكن فقط بين إيران وإسرائيل، بل كانت اختبارًا لوعي الجميع، والنتيجة واضحة لمن أراد أن يرى.