ناجي أمهز
من الحقائق الصادمة التي يدركها أعداء وخصوم حزب الله، ولكنها غائبة عن معظم أبناء الطائفة الشيعية، أن المجتمع الشيعي في لبنان يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية.
حتى هذه اللحظة، لا يزال المجتمع الشيعي مجتمعًا ريعيًا يعيش على التبرعات والمساعدات الإسلامية والعربية، وعلى رأسها المساعدات الإيرانية التي تغطي ما يقارب 400 ألف شيعي لبناني. إلى جانب ذلك، هناك حوالي 300 ألف شيعي يعملون في المؤسسات الرسمية والخاصة في لبنان، إضافة إلى نحو 150 ألفًا يعملون في بلاد الاغتراب.
هذا هو الواقع الحقيقي، مما يعني أنه إذا توقفت إيران عن التمويل بسبب الضغوط أو الحرب عليها – لا سمح الله – فإن أكثر من 700 ألف شيعي سيجدون أنفسهم تحت خط الفقر، وعاجزين حتى عن شراء رغيف خبز. كما أن المؤسسات الاقتصادية والتربوية الشيعية ستنهار، نظرًا لأن المال الإيراني يشكل المحرك الأساسي لهذه الدورة الاقتصادية في لبنان عامة وبصورة مباشرة وخاصة في البيئة الشيعية.
وسط هذه الظروف، او ما كان يعرف بالهلال الشيعي وبسبب الضخ الاعلامي، شعر الشيعة انهم قادرون على تغيير الشرق الاوسط كما يريدون، وانهم سيقضون على اسرائيل في اول معركة.
وامين عام حزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم، تحدث بصراحة عن الواقع الشيعي، عندما قال:
“بسبب الإمكانات التي راكمناها كمقاومة، والصواريخ التي أصبحت معنا، والطائرات المسيرة التي تحدثنا عنها، والمناورات التي أبرزت قوة استثنائية بالنسبة لنا، ظن الكثيرون بأننا سنهزم إسرائيل عسكريًا بالضربة القاضية إذا حصلت معركة بيننا وبين إسرائيل، يعني اعتبروا هالقوة هي كافية من أجل أن تهزم عسكريًا، هذا كان موجودًا في العقل الباطني.”
لكن بعض الساسة والإعلاميين الشيعة ومن يدور بفلكهم رفضوا خطابه، لانهم يريدون الاستمرار بنفس السلوك السابق الذي لم يعد ينفع في هذا الزمن.
سماحة الشيخ نعيم قاسم هو الأمل الأخير لإنقاذ الطائفة الشيعية في لبنان من سقوط مدوٍ على كافة المستويات، ويجب على الجميع الالتفاف حوله، والأخذ بما يقوله حرفيًا وتطبيقه.
كما أنه علامة فقيه في الدين الإسلامي، فهو أيضًا رجل دولة قارئ ومطلع عن مجريات ومتغيرات المنطقة والعالم، ولديه شجاعة قل نظيرها وهذا ما أظهره من خلال موافقته على اتفاق وقف إطلاق النار الذي انقذ المقاومة وما تبق من الدور الشيعي، ومن ثم طرح سماحته بجرأة وصراحة هو قال عنها ان اللبنانيين لم يسمعوا مثلها من قبل، عندما تحدث عن كل ما يتهدد الطائفة الشيعية.
سماحته اليوم لا يخوض معركة ضد الإسرائيلي فحسب، بل يواجه معركة داخلية أصعب وهي محاولة توعية الشيعة لادراك حجم الأخطار. .
الشيخ نعيم قاسم هو اليوم في مقدمة الذين نزلوا إلى أرض المعركة في أصعب الظروف السياسية والعسكرية، إضافة إلى الواقع الاقتصادي والاجتماعي الكارثي بسبب البربرية الإسرائيلية والضغوط الدولية التي استهدفت الشيعة ومناطقهم ومؤسساتهم.
الشيخ نعيم قاسم رغم حجم الاخطار الامنية الا انه بين الناس واهالي الشهداء والجرحى، يسمع منهم مباشرة، يتابع شخصيا ومباشرة التطورات السياسية اللبنانية والدولية.
حتى هذه اللحظة، لم يتطرق الشيخ نعيم قاسم إلى الشأن السوري الداخلي أو يتدخل فيه.
بالمقابل، لا أفهم سبب إصرار بعض الإعلاميين الشيعة ومن هم في الفلك الشيعي على التدخل في الشأن السوري، وطرح النظريات التي يرفضها اقله 70 بالمائة من الشعب السوري، هذا التدخل قد يدفع الحكومة السورية الجديدة إلى التحرك دبلوماسيًا وإغلاق الحدود البرية استنكارًا لهذه التدخلات، مما سيؤدي إلى تحرك الرأي العام اللبناني التذي تضررت مصالحه وربما قد يتظاهر اللبنانيين المؤيدين للحكومة السورية الجديدة ضد هذا التدخل في الشأن السوري، وسنكون أمام مشكلة سياسية يصعب إيجاد حل لها.
سماحة الشيخ نعيم قاسم، استنكر مظاهر احتفالية خارج الضاحية وطالب بمحاسبة المتجاوزين، موقف سماحته انقذ الشيعة من موجة انتقادات كادت ان تتحول الى راي عام وفعل وردة فعل، والطائفة الشيعية بغنى عنها.
بالمقابل قبل اطلالة سماحة الامين العام سوق الكثير من الاعلاميين الشيعة وغيرهم لهذا التحرك، مما يعني بان هذه الاصوات لا تمثل راي حزب الله، او بالاحرى لا تعرف شيئا عن موقف حزب الله.
الشيخ نعيم قاسم، وحفاظا على ارواح الجنوبيين ولتفويت الفرصة على العدو الاسرائيلي وافشاله بايجاد ذرائع يستغلها لتمديد احتلاله، تحدث عن تمديد الانسحاب الاسرائيلي الى 18 الشهر الحالي، ووضع الامور بعهدة الدولة اللبنانية مطالبا اياها بالضغط على الدول الراعية للاتفاق من اجل اخراج العدو الاسرائيلي.
بالمقابل فان الذين ينتشرون على الاعلام الشيعي لم يتوقفوا عن اطلاق نظرياتهم، والحديث عن سيناريوهات سيقوم فيها اهالي الجنوب وحزب الله، ليتبين ان ولا واحد منها قد طرحه او سيعمل فيه حزب الله.
هذا النمط السائد أصبح عبئًا على الطائفة في لبنان، وربما قد يتمدد ليصبح عبئًا على الجمهورية الإسلامية في إيران، لأن مثل هذه التصرفات غير المسؤولة قد تسببت في المزيد من الانقسام في الرأي العام اللبناني والعربي المنقسم اساسا.
ايضا هذا الاصرار على المضي بنفس الخطاب الذي كان سائدا قبل عام، قد يخسر الطائفة الشيعية كل ما قدمته من تضحيات جسام في سبيل الدفاع عن اهالي غزة وفلسطين، وحتما سيفاقم عزلة الشيعة في لبنان والمنطقة.
دعونا نتوجه لبناء التجمعات النخبوية الشيعية، وان ننشئ منتدى اقتصادي شيعي ونفعل نشاطه ودوره، اليوم رجل اقتصادي ناجح وله علاقات فاعلة يعادل دولة قائمة، وان نفعل ادوار النخب التي لها خبرة سياسية حقيقية وعلاقات مؤثرة.
دعونا نستفيد في هذا الزمن الاسود من كل مقومات قوتنا.
الطائفة الشيعية قادمة خلال ثلاثة اشهر على استحقاقات صعبة جدا، يجب أن يكون هناك موقف واضح تجاه هذه الأمور، وأن تطغى لغة الحوار والتوعية والتوجيه، والالتفات إلى الواقع بواقعية ومسؤولية قبل فوات الأوان.
اليوم العالم يعيش على نظرية سقراط: “تكلم كي اراك”
دعونا نجعل العالم يرانا في اجمل وافعل واعظم اسلوب يليق بالطائفة الشيعية العزيزة الصابرة المضحية المقاومة المنتصرة.