واشنطن تُعدّ لانفجار داخلي مبرمج في لبنان

 

 

واشنطن تُعدّ لانفجار داخلي مبرمج في لبنان: “ثورة أرز” بنسختها الثانية تحت عنوان نزع سلاح المقاومة

 

| د. محمد حسن سعد |

رئيس معهد وورلد فيو للعلاقات الدولية والدبلوماسية

 

لم يعد خافياً على أحد أن الولايات المتحدة الأميركية تتحضّر لإطلاق موجة تحولات كبرى في الساحة اللبنانية، تتجاوز في جوهرها حدود الضغط السياسي أو الإقتصادي، لتلامس حدود الانفجار الداخلي المنظَّم. فوفق ما تكشفه مصادر دبلوماسية وأمنية رفيعة، فإن ما يُطبخ في كواليس واشنطن هو مشروع متكامل لإعادة تشكيل لبنان من الداخل، عبر إشعال تحركات احتجاجية كبرى، تستلهم شكلاً تجربة “ثورة الأرز” عام 2005، لكن بأهداف أكثر وضوحاً وحِدّة: تفكيك منظومة المقاومة، ونزع سلاحها، وإعادة تعريف موقع لبنان الإقليمي بما يخدم مصالح واشنطن وتل أبيب.

الخطير في هذا المشروع لا يكمن فقط في طبيعته التصادمية، بل في الآلية التي يجري فرضه من خلالها، والتي تجسّدت بوضوح في الجولات المكوكية الأخيرة التي قام بها الموفد الأميركي الخاص إلى سوريا ولبنان، توماس باراك، الذي ظهر كوجه هجومي مباشر للسياسة الأميركية، لم يقدّم مقترحات أو يفتح باباً للحوار كما روجت دوائر القرار اللبنانية، بل حمل إلى المسؤولين اللبنانيين ما يشبه “ورقة إملاءات”، تتضمن شروطاً صارمة ومحددة، أبرزها: نزع سلاح حزب الله، أو على الأقل تطويقه سياسياً وإعلامياً، تمهيداً لعزله داخلياً.

الرسالة الأميركية واضحة: لا نقاش، لا تسوية، بل تنفيذ.

وبحسب المعلومات، فإن الورقة التي نقلها باراك لم تُعرض بصيغة تفاوضية، بل قُدّمت على أنها مسار إلزامي لا مجال للاعتراض عليه. وقد ترافقت مع لهجة تهديدية غير مسبوقة، لخصها باراك نفسه في جلسات مغلقة بالقول: “اللحظة حاسمة، إما أن تنفّذوا ما طُلب منكم، أو فلتتحمّلوا نتائج الفوضى المقبلة.”

في السياق ذاته، تدرس دوائر الضغط الأميركية السياسية منها والإعلامية بضرورة العمل على إطلاق التحرك قريباً لترتيب المشهد الميداني في لبنان، من خلال تحفيز مجموعات سياسية ومدنية وإعلامية على النزول إلى الشارع، تحت شعارات فضفاضة من قبيل “إنقاذ الدولة” و”بسط السيادة” و”منع الحرب”، بينما الهدف الحقيقي هو خلق مناخ داخلي ضاغط ضد المقاومة وسلاحها، يتيح للأميركيين القول إن لبنان نفسه بات يطالب بنزع هذا السلاح، وبالتالي فإن الاستراتيجية الأميركية لهذا المشروع التي تهدف الى إعادة ترتيب الساحة اللبنانية تُبنى على أربعة أعمدة رئيسية:

1. شيطنة السلاح إعلامياً من خلال ربطه بالانهيار الإقتصادي والانهيار المؤسسي، والتداعيات الكارثية للحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان.

2. إثارة الشارع المتعب إجتماعياً، وتحويل أزماته نحو عنوان واحد هو “السلاح”.

3. فرض أجندة باراك كخريطة طريق دولية للبنان، وإشراك جهات دولية داعمة.

4. تأمين غطاء سياسي داخلي من قوى محسوبة على واشنطن، تمهيداً للتدويل لاحقاً.

مصادر دبلوماسية رفيعة وصفت هذه التحركات بأنها “إعادة صياغة للوصاية الأميركية لكن بأدوات لبنانية الصنع وتمويل خارجي مباشر”، مؤكدة أن ما يجري التحضير له يتجاوز بكثير حدود التعبير الديمقراطي أو الحراك الشعبي، ليتحول إلى مخطط يستهدف بنية لبنان الوطنية، ويريد تفكيك واحدة من ركائز توازناته وهو سلاح المقاومة.

 

فهل تنجح واشنطن في فرض هذا السيناريو الانقلابي المقنّع، تحت عنوان “الإنقاذ”، أم أن وعي الداخل اللبناني، وتجذر المقاومة في النسيج الوطني، سيفشل المحاولة الأميركية كما فشلت غيرها من قبل؟

 

الأيام المقبلة ستكون كاشفة، وربما مفصلية في تحديد مصير لبنان، فايهما يتقدم على الآخر: الخيار العسكري الذي يدفع ويضغط كيان الإحتلال الإسرائيلي باتجاه اعتماده ضد لبنان بغية اخضاعه، أو خيار ثورة الأرز الثانية في تكرار متطرف لما حصل بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005؟.